كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
يسجّل للطائفة السنية حيويتها ودينامية مؤسساتها الدينية رغم كل الظروف السياسية التي ألمّت بها، وذلك خلافاً لطوائف أخرى غابت الإنتخابات عن مجالسها الدينية. ففي دار الفتوى شهدنا انتخابات المجلس الشرعي الأعلى، انتهت بفوز ثمانية أعضاء وتعيين مفتي الجمهورية ثمانية آخرين. بينما تجدد المجالس الروحية الأخرى لنفسها تلقائياً وتغرق في الفراغ من دون أي قدرة على مواجهتها. منذ أمد بعيد لم يشهد المجلس الإسلامي الشيعي انتخابات تعيد له حيويته، ويكون التعيين سمة المراحل. وليس الوضع أفضل عند الطائفة الدرزية بوجود ثنائية في مشيخة العقل.
رغم التصدع الذي منيت به وغياب المرجعية السياسية، ظهرت المرجعية الروحية السنية الأكثر حيوية تتقاسمها مجموعة قيادات، من دون أن يعني ذلك اختفاء أثر الرئيس سعد الحريري عن الساحة السنية، وهذه المفارقة بدت واضحة، إذ غلب «المستقبليون» المقنّعون على المجلس المنتخب بينما جاء التعيين ليحقق التوازن معهم داخل المجلس.
لإنتخابات المجلس الشرعي للطائفة السنية خلفياتها بما شهدته من شد حبال ومبارزة بأبعاد سياسية متصلة بمواطئ النفوذ داخل الطائفة.
قبل الإنتخابات فشلت كل محاولات تشكيل لائحة توافقية بين المفتي عبد اللطيف دريان والقيادات السنية. اجتماعه مع «الأحمدين» (أحمد الحريري وأحمد الهاشمية)، لهذا الغرض مني بالفشل لرفضه انضمام مرشحين من «تيار المستقبل»، كما رفض ادراج أو تعيين شخصية مقربة من الرئيس فؤاد السنيورة وقبل ترشيح شخصية مقربة من النائب فؤاد مخزومي مقابل سحب الأخير لائحته المنافسة. صبيحة يوم الانتخاب فوجئ الجميع بوجود لوائح ملغومة أعادت خلط الأوراق ووجهت أصابع الاتهام إلى فريق المفتي دريان، فانتهت الانتخابات لغير صالحه في بيروت. وبصرف النظر عن الأسماء، حاول المفتي تعويض خسارة الانتخابات، في التعيينات التي أجراها وأعلنها أمس وأتمّ بموجبها عقد المجلس الشرعي في لبنان بكامل أعضائه. في قراءة سياسية لما رست عليه انتخابات المجلس الشرعي وتعييناته فقد سجل تراجع «الصقور» في «تيار المستقبل» مقابل «الحمائم»، وهذا ما فسر على أنّه محاولة من المفتي دريان لإدارة مجلس يمكن السيطرة عليه. وفي تفسير للخطوة تقول مصادر سنية إنّه كان المطلوب الإتيان بشخصيات تدور في فلك «المستقبل» ومحسوبة عليه، ولكنها أقرب إلى المفتي دريان وتعمل وفق توجهاته. وكانت لافتة العودة عن تعيين النائب السابق سمير الجسر نائباً لرئيس المجلس الشرعي خلفاً للوزير السابق عمر مسقاوي.
وتختصر المصادر الحصيلة وفق النتائج التالية:
– تغييب بارزين في «تيار المستقبل» وتراجع حضورهم رغم أنّ المحسوبين عليه هم الأكثر في تعداد أعضاء المجلس الشرعي.
– استمالة رئيس المحاكم الشرعية محمد عساف تجنباً لتخريب العلاقة مع الرئيس فؤاد السنيورة الذي يعارض بشدة التمديد للمفتي دريان.
– تغييب دور رؤساء الحكومات السابقين والحضور المعنوي لهم، فلم يسجل حضور فعلي للرئيس نجيب ميقاتي بينما رفض دريان تعيين شخصية مقربة من السنيورة.
– تجنّب خوض معركة في صيدا وصور وهما يقعان ضمن حصة النائبة بهية الحريري، وكأن المقصود تحييدها وعدم الإستفزاز.
– فقد المجلس أحادية القيادة السياسية لصالح مجموعة أحزاب وعائلات بيروتية ومستقلين.
– عدد من النواب الجدد لم ينتخب لائحة المفتي دريان واعتبروها مسيسة.
– تضعضع كتلة مدنية ناخبة مؤلفة من قضاة ومديرين عامين كانت أقرب لمن يضمن ديمومة عملها.
– لم يعد لدار الفتوى راعٍ بالمعنى السياسي للكلمة.
وعلى ضفة المجلس الجديد الذي سيباشر عمله، أفصحت جهات دينية سنية عن مشكلة تعترض التمديد للمفتي دريان، حيث لم يعدّ محضر بالتمديد له، ولا صدر القرار في الجريدة الرسمية قبل انتهاء ولاية المجلس القديم وانتخاب المجلس الجديد، والمتعارف عليه ولعدم جواز توقيع المجلس الجديد محضر المجلس القديم، يجري التدوال في فتوى تقضي بإعادة التمديد للمفتي دريان مجدداً من قبل المجلس الجديد أو إصدار فتوى تأكيد على التمديد. وهناك من يحمّل المسؤولية عن تلك «الورطة» لأشخاص عملوا على إعداد طبخة التمديد التي اعتبرها مسقاوي مخالفة للقوانين وعارضها آخرون.
يؤكد بعض من كان شريكاً في معركة الانتخابات أنّ البعض أدارها بموجب توجيهات وكلمة سر خارجية أملت عليه إبعاد «تيار المستقبل» عن الواجهة والتأكيد على تراجع حضوره ودوره داخل دار الفتوى والمجلس الشرعي، وبمعنى آخر كان من بين أهداف الانتخابات التأكيد على تراجع الحريري في العاصمة والمناطق السنية وهو ما لم يتحقق بالشكل المرسوم له، كما أنّ المعركة كما رأتها مصادر دينية محسوبة على المجلس الشرعي متصلة بخليفة المفتي والشخصية المؤهلة لقيادة دار الفتوى بعده.