كتبت زينب حمّود في “الأخبار”:
أمس، أدّى أبناء بعض المناطق اللبنانية، ولا سيّما في العاصمة بيروت، «البروفا» ذاتها التي تسبق كلّ شتاء، تحديداً مع تساقط الأمطار بغزارة للمرة الأولى؛ «طوفان» الطرقات الأساسية والفرعية بسبب هشاشة البنى التحتية، ما فرض عليهم «السباحة» لاجتيازها أو الانتظار ساعات في سياراتهم العالقة في زحمة سير أو «ريغار» اختنق.
استيقظ اللبنانيون على غرق عدد من الطرقات بكميات كبيرة من المتساقطات والمجاري. سريعاً تحوّلت المتساقطات إلى «أنهر» و«بحار» و«بحيرات»، على حدّ تعبير روّاد مواقع التواصل الاجتماعي الذين التقطوا صور «الطوفان» وعبّروا عن استيائهم، كلّ على طريقته. سخر أحدهم، مثلاً، من كمية المياه التي ملأت الأزقّة الضيقة في بئر حسن معلّقاً: «جهّزوا القوارب، فأنتم في البندقية في إيطاليا». ونشر آخر مقطع فيديو لشارع في سن الفيل حيث غطّت المياه ركبة رجل مسنّ، يقوم بدفعها عن محلّه مستخدماً عصا «الممسحة». فيما حصد مقطع الفيديو لسيارة في منتصف الطريق في محلّة السفارة الكويتية، تطمرها المياه وأكوام النفايات، وسيارات رُكنت إلى جانب الطريق لا تعرف كيف تخرج من «المستنقع» الذي علقت فيه، انتشاراً واسعاً في مواقع التواصل الاجتماعي.
تزامن طوفان الطرقات مع توجّه الطلاب إلى مدارسهم وجامعاتهم، والناس إلى أعمالهم صباحاً، فازداد الأمر تعقيداً. في محلّة الرحاب في الغبيري، «تخبّط» الطلاب لاجتياز «المستنقع» باتجاه مدارسهم بأقلّ «بلل» ممكن. سارعت نور في سيرها «من دون أن أنجو من الشلالات التي ترمي عليّ المياه والأوساخ، حتى وصلتُ إلى المدرسة وجزء كبير من بنطالي يعصر ماءً». بعض الطلاب رفعوا بناطيلهم وآخرون عادوا أدراجهم إلى منازلهم. عندما غادر محمد منزله في حيّ السلم «هالني ما ينتظرني من رحلة مائية عبر الدرّاجة النارية إلى المعهد»، يروي ما حصل معه بكثير من الحماس: «والله وصلت المياه إلى منتصف قدمي بينما كنت أقود درّاجتي على أوتوستراد السيد هادي في الضاحية الجنوبية».
تنفّس الموظفون الصعداء ريثما وجدوا وسيلة نقل تقلّهم إلى عملهم. سناء، مثلاً، انتظرت نحو نصف ساعة حتى وجدت سيارة أجرة إلى سليم سلام «لأن الأمطار كانت تنهمر بغزارة ويرتفع منسوبها على الأرض، فركن السائقون سياراتهم جانباً، ما زاد قلقي من التأخر على الدوام». معظم الموظفين في بيروت وصلوا متأخّرين إلى أعمالهم بسبب زحمات السير في مختلف المناطق التي عاينتها بدورها غرفة التحكّم المروري منذ الثامنة صباحاً، متحدّثة عن حركات مرور كثيفة من الضبية باتجاه جل الديب وصولًا إلى الكرنتينا، ومن بوليفار سن الفيل باتجاه الصالومي، ومن خلدة باتجاه نفق المطار، ومن طبرجا باتجاه جونية حتى زوق مكايل، وعند جسر الكولا وأوتوستراد الأوزاعي باتجاه الجناح…
إقفال للطرقات، واقتصار السير في بعضها على خط واحد، ووقوع حوادث سير، كلها دفعت الناس إلى تغيير طريقهم. منال غيّرت طريقها أربع مرات «ولا سيما لحظة تفاجأنا بوقوع حادث سير في الجناح، إذ دخل ريغار بعجلة سيارة أعاق سيرها فأقفلت إثرَه الطريق كاملاً، إلى جانب تصادم سيارتين في الجهة المقابلة». واستغرق مشوار ليا من عرمون إلى الحمرا ساعة وربع ساعة من الزحمة و«العصبية، والقلق على سيارتي الصغيرة أن تغرق في الطوفان»، بعدما كان يستغرق مشوارها ربّما نصف ساعة أو أقل. وصلت ليا متأخّرة إلى عملها، كذلك زوجها الذي «ظلّ ساعة ونصف ساعة عالقاً في زحمة الشويفات بينما كان يوصل الأولاد إلى مدرستهم، هم أيضاً تأخّروا في الوصول إلى مدرستهم». من جهته، عندما «يئس» سامي من اجتياز طريق المطار عبر سيارته، عاد إلى منزله واستقلّ دراجته النارية «من دون أن أنجو بالكامل من الزحمة».
وجوه العالقين كانت «مكشّرة»، وتردّدت الشتائم مثل «الدولة الفاسدة التي لا تصلح أقنية الصرف الصحي»، وقد ألحق الطوفان أضراراً بالمنازل والمحالّ والسيارات. وبينما غادرت ريم منزلها في الأوزاعي إذ تفاجأت بوجود أكوام النفايات في وسط الطرقات، من دون أن تعرف أنها كانت تسبح في «نهر» من المتساقطات والمجاري صباحاً.