تقرير ماريلين عتيّق:
تلوث بيئي، تدهور في الأوضاع الاقتصادية، تراجع في نوعية الخدمات الأساسية، والأهم من ذلك، انحدار الأوضاع الأمنية. هذه التداعيات وغيرها، نتاج أزمة نزوح مستجدة وخطيرة يواجهها لبنان وحيدًا، بلا رئيس جمهورية وبحكومة تصريف أعمال شبه غائبة.
الداخل في نوم عميق، فلا قرارات جازمة وموحدة، أو الأصح لا نية لدى المعنيين لاتخاذ مثل هكذا إجراءات، أما الخارج فقد قال كلمته وبالفم الملآن: لا عودة للاجئين السوريين إلى بلادهم في الوقت الحالي. ويبقى السؤال الأساس: هل أزمة النزوح السوري مفتعلة؟
في هذا الإطار، إعتبر رئيس بلدية القاع بشير مطر، أن “أزمة النزوح تؤثر على كل لبنان وهي غير محصورة بمنطقة أو مدينة أو طائفة أو مذهب، فالتحدي الأكبر أي الحفاظ على الحرية والوجود والهوية، يواجهه المجتمع اللبناني بالكامل”.
وقال مطر في حديث لموقع IMLebanon: “هناك نازح اقتصادي ونازح سياسي ونازح أمني، ولكن تعددت الأسباب والموت واحد، فنحن أمام هجمة سورية تشبه الاحتلال”.
وأوضح أن “المشكلة تكمن في أن لبنان لا يملك “داتا” عن السوريين محفوظة في مكان واحد، فلا قرار موحد في هذا الموضوع، وكل فريق يلقي اللوم على الفريق الآخر”.
إلى ذلك، طالب رئيس بلدية القاع “المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان، بأن توقف تسجيل السوريين، وأن تشطب كل من خالف شروط النزوح عن لائحة المساعدات”، مشيرا إلى أن “السياسة التي تتبعها المفوضية خطيرة، فهي تدعم الأشخاص الخطأ، مثل العسكري السوري الذي يدخل لبنان بهدف تلقي المساعدات ثم يعود إلى خدمته، والعائلة التي تنجب عددا كبيرا من الأولاد بعد الأزمة وفي لبنان”.
وتابع: “المفوضية لم تسلم حتى الساعة داتا النازحين للدولة اللبنانية، التي بإمكانها أن تحصل على 90% من المعلومات من وزارة التربية والتعليم العالي”.
كما لفت إلى أن “دولتنا غائبة عن هذا الموضوع، فلا رئيس جمهورية ولا قرار موحد وحازم، لذلك علينا أن ندعم الجيش اللبناني الذي يقوم بكامل واجباته من ناحية ضبط الأمن، ولنا ملء الثقة فيه وبقيادته وبقائده العماد جوزاف عون، كي لا نضطر للجوء إلى الأمن الذاتي في حال حدوث أي تطور أمني”.
وأضاف مطر: “لا شك أن تدفق النازحين أثر سلبًا على البنية التحتية وعلى نوعية الخدمات من طبابة وعلم، كما أنهم استهلكوا الكثير من الكهرباء والمياه وفاقموا عجز الدولة، وتسببوا بزيادة التلوث البيئي من خلال النفايات ومياه الصرف الصحي”.
وأشار إلى أنه “في حال لم تتخذ دولتنا إجراءات حاسمة، علينا أن نتوجه جميعا إلى المجتمع الدولي أي مفوضية اللاجئين ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فالشعب السوري يحتل لبنان على كل الأصعدة، ومنطقيًّا لا يمكن لهذا البلد الصغير أن يستوعب هذا العدد الهائل من النازحين”.
وأكد أن “الوقت غير مناسب للوم الآخر والمحاسبة، فنار الأزمة ستحرقنا جميعا إذا لم نتحرك معا، ولا أحد يتهمنا بالعنصرية والتشبيح، فالواقع يتطلب إجراءات سريعة لأن بلدنا بخطر كبير”.
وأردف: “نحن لا شك ضد النظام السوري، ولكن في حال لم يسقط هذا النظام خلال عشرين سنة مثلا أو لم يتغير الحكم، هل نسمح بأن يصبح لبنان محافظة سورية؟”.
وتوجه مطر “للمفوضية ومن وراءها”، بالقول: “سنقطع الهواء عن النازحين ولن نتراجع عن هذا القرار. ونحاول التواصل مع عدد من البلديات المجاورة، لكي تنضم إلينا، فنحن نموت على البطيء ولا بد من أن نتحرك”.
وفي السياق، قال: “للأسف، هناك بعض اللبنانيين الذين يعتبرون مصلحتهم أهم من مصلحة الدولة اللبنانية ومن أمن المواطنين، لذلك نعاني كثيرًا كبلدية خلال تطبيق الإجراءات ضد النازحين، فهناك من هو مستعد لبيع وطنه مقابل 50$ لتهريب نازح، كما أن “الواسطة” تلعب دورها ما يمنعنا من تطبيق السياسات المقترحة، فإذا أردنا إقفال متجر أو توقيف دراجة نارية تعود لسوري مخالف، تنهال علينا الاتصالات من قبل أمنيين وضباط وسياسيين. الأمر أصبح مقرفًا ومعيبًا”.
وأفاد بأنه “في القاع هناك 30000 نازح تقريبًا، 33% منهم لا يمكنهم العودة إلى سوريا بسبب الخدمة العسكرية، بحسب قولهم. ولكن الأرقام غير دقيقة ومرشحة للزيادة، لأننا بحاجة إلى إحصاء يومي لمعرفة العدد الأكيد، وذلك غير ممكن بسبب انعدام الإمكانات”.
وكشف عن أن “القضاء اللبناني غير حازم مع من يخالف شروط النزوح ومن يزوّر بطاقات النازحين، ومع اللبنانيين الذين يهربون مئات السوريين لإدخالهم خلسة إلى البلاد”.
وشدد على أن “الأمر أكبر من البعد الإنساني، فهناك تواطؤ خارجي كبير على لبنان، لأن أزمة النزوح ورقة تستخدم لأهداف عدة، منها الهجرة غير الشرعية وما تدر من أموال للمهرب، والتفاوض مع الخارج للتهرّب من العقوبات، وغيرها من الأسباب التي تؤدي إلى زوال لبنان”.
أما عن الشائعات التي انتشرت أخيرًا حول نية جماعات إرهابية تفجير أعمدة قلعة بعلبك، فأكد مطر أنه لا يملك معطيات دقيقة عن مدى جدية التهديدات، لكنه اعتبر أن موضوع التكفيريين “مسرحية مفبركة”.
وذكّر بأنه “سبق وأن هدّم تنظيم داعش الإرهابي آثارًا وقلعات تاريخية في تدمر وغيرها، ولكن قلعة بعلبك صمدت حتى خلال الزلازل والحروب”، لافتًا إلى أن “القاع أيضًا لم تسلم من “داعش” الذي استهدفها بثمانية إنتحاريين، ورغم ذلك ما زلنا صامدين، ولن نتأثر لا نحن ولا بعلبك بهذه الشائعات التافهة”.
الجيش اللبناني يصارع باللحم الحي لضبط حدود سائبة، والدولة لا تبالي وتكتفي بإطلاق الشعارات الرنانة التي لا فائدة منها. معادلة اعتاد اللبنانيون على رؤيتها، فليس بالجديد على دولة لا تحترم أبناءها، أن تبيع الوطن ومن فيه من أجل مصالح هذا السياسي أو ذاك.
ويبقى الواقع المخيف، أن “الاحتلال السوري” الجديد يشكل خطرًا وجوديًّا على لبنان، وتسونامي النازحين سيغرقنا في أزمات إضافية، تدفعنا بدورنا إلى الهجرة… وربما البحر!