كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
يقرّ أحد الديبلوماسيين العاملين في لبنان، بعجزه عن قراءة شيفرة الموقف الأميركي والسعودي من الملف اللبناني، ليس لأنّه مكتوب بحبر سري بل لأنّه أشبه بالنقش على المياه. غير واضح، ملتبس، كثير الضبابية، الأرجح أنّه غير مكتوب أصلاً. يميل صاحب هذا الرأي إلى القول إنّ لبنان غير مرصود على رادار الاهتمامات الأميركية والسعودية، وهذا ما يبقيه في آخر سلّم الأولويات الدولية رغم الاجتماعات التي عقدتها المجموعة الخماسية. لكنّ نتيجتها إلى الآن صفر، ويعود ذلك إلى عدم رغبة الدول المعنية، وفي طليعتها واشنطن والرياض في الانخراط في الرمال اللبنانية، أقله في هذا التوقيت.
ويشير إلى أنّ الهم الأمني هو الذي يتصدر قائمة الاهتمامات خصوصاً مع اقتراب موعد بلوغ قائد الجيش العماد جوزاف عون السنّ القانونية مطلع العام المقبل، وسط رفض أميركي، تعريض المؤسسة العسكرية لأي اهتزاز جرّاء الشغور في قيادتها، ما يجعل من سيناريو التمديد له، أولوية بالنسبة للإدارة الأميركية، قد تتجاوز في أهميتها أولوية ملء الشغور في الرئاسة الأولى.
بهذا المعنى، لا تخرج مهمة الموفد القطري جاسم بن فهد آل ثاني الذي لا يزال يجول بين القوى السياسية والكتل النيابية بحثاً عن قواسم رئاسية مشتركة، عن الطابع الاستكشافي، خلافاً لبعض الترجيحات والتكهنات التي افترضت أنّ المبعوث القطري يتأبّط مبادرة متكاملة يعمل على تسويقها و«تقريشها» على الطريقة اللبنانية.
وبهذا المعنى أيضاً، يصير مفهوماً أن لا يُقفل هذا الموفد عائداً إلى بلاده، بعدما أبلغه الثنائي الشيعي وتحديداً «حزب الله» بشكل واضح تمسّكه بترشيح سليمان فرنجية، ما يعني إغلاق الباب أمام مساعي البحث في مرشح ثالث، ذلك لأنّ عدم انتقال «الحزب» إلى «الخطّة باء»، لا يعني أبداً رفضها بالمطلق. وهنا أهمية الحراك القطري. البحث في سلسلة سيناريوات تؤدي جميعها إلى «الخطة باء»، أي المرشح الثالث.
وفق بعض المواكبين، لا يزال «حزب الله» عند رأيه بعدم فتح كوّة أمام أي مرشح جديد غير سليمان فرنجية، لكنه يعترف بحقيقة أنّ حظوظ الأخير باتت صعبة جداً، ليس فقط بسبب تعنّت رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، بل لأنّ الرفض الأميركي- السعودي سيحكم على عهد فرنجية بالإعدام الفوري حتى لو تُركت الأمور لمجريات الداخل. يكفي أن تكون في قبضة الرياض ورقة الإنعاش الاقتصادي، حتى لو كانت عبر استثمارات خاصة، لكي توظّف هذه الورقة على شطرنج الرئاسة. وهذا ما يدركه «الحزب» جيداً من دون أن يظهره في سلوكه.
ولكن في العمق، هو يتصرّف على قاعدة أنّه لا بدّ من التفكير ملياً بمرشح ثالث قادر على تأمين تقاطع اقليمي ودولي ويطمئن إليه، طالما أنّ الظروف الخارجية كما الداخلية لم تعد لمصلحة رئيس «المرده»، وهو أمر يقرّ به الأخير، ويعرفه جيداً. لكن التوقيت لا يزال عند «حزب الله» الذي سيتولى تحديد اللحظة التي يقرر فيها الانخراط في تسوية رئاسية، طبعاً بالتنسيق مع فرنجية الذي قد يترك له صياغة إخراج إعلان الانسحاب بشكل يناسبه. وهي معادلة تتناقض بشكل كامل مع الكلام الذي يُقال حول أنّ «الحزب» سيظّل متمسّكاً بفرنجية طالما أنّ الأخير مرشح، والحقيقة هي أنّ الأخير سيظل مرشحاً طالما أنّ «الحزب» متمسّك به.
الجديد، هو أنّ التوقيت، صار رهن التطورات الخارجية، وهذا ما تقرّ به القوى السياسية التي تعترف بأنّ المبادرة خرجت من أيدي اللبنانيين والتعويل صار على تحوّل ما في الأحداث الخارجية من شأنه أن يبدّل المشهد الداخلي. لهذا، لا يخرج الحراك القطري عن طبيعته الاستكشافية، لا سيما وأنّه حين يُسأل المسؤولون السعوديون عن مدى التنسيق بينهم وبين القطريين في مبادرتهم، يكتفي السعوديون بالقول: ثمة تواصل حاصل. وهذا يعني أنّ الرياض لا تتبنى الحراك القطري بالكامل، ولا ترفضه بالمطلق، وطالما أنّ الكرة في ملعبها لتغطية أي تسوية، فستكون الكلمة الأخيرة لها. ولهذا يُترك الحراك القطري ليأخذ مداه، وحين يصل إلى خواتيمه، في حال بلغها، يصير لكل حادث حديث.
ولكن الإكتفاء بالتواصل، لا يعني وفق المطلعين على الموقف السعودي، أنّ الرياض تهمل الملف اللبناني، على عكس ما يوحيه سلوكها. يؤكدون أنّ للرياض اهتمامها بالشأن اللبناني ولكن مقاربتها تختلف عن كلّ المقاربات الماضية. تكتفي الرياض بسرد معاييرها وشروطها للرئاسة، والتي يكررها المسؤولون السعوديون بالعلن وفي الجلسات الضيقة: المهم هو برنامج الرئيس ومواصفاته، لا اسمه. وتصرّ في المقابل على ضرورة أن يكون الرئيس نتاج تفاهم داخلي وهذا ما يؤدي حكماً إلى استبعاد مرشحي الاصطفافات والمحاور، ويشمل حكماً فرنجية طالما أنّه مرفوض من القوى المسيحية.
وفق المطلعين على موقف الرياض، حين ينخرط المسؤولون السعوديون بتفاصيل الرئاسة، مؤكدين أنّ الظرف يقضي بأن يكون الرئيس العتيد صاحب رؤية اقتصادية من دون أن يعني ذلك حصر قائمة المرشحين بالاختصاصيين بالشأن الاقتصادي، فهم بذلك يتقصدون إرسال إشارات واضحة الى نيّتهم بالمشاركة في ورشة الانقاذ الاقتصادي وفق اعتباراتهم، شرط أن تتناسب التسوية الرئاسية وتطلعاتهم، وبعد اختبار سلوك الرئيس الجديد. وهذا ما يفضي بنظر هؤلاء إلى التلميح إلى اهتمام السعودية بالملف اللبناني، لكن زمانه لم يأت بعد، كما يؤكد المطلعون.