ألقى وزير الطاقة والمياه وليد فياض كلمة في نقابة المهندسين في طرابلس خلال مؤتمر حول النفط والغاز، جاء فيها: “نلتقي اليوم في هذا المؤتمر في المكان الأحب على قلبي، قصدت به هذا الصرح العلمي والنقابي العريق : نقابة المهندسين في الشمال. هنا الحديث يطول ويطول ويكون في إطاره العلمي والهندسي بين أهل العلم والمعرفة في مدينة العلم والعلماء. السؤال الذي يطرحه الجميع، في هذه الأيام هو عن المؤشرات والمعطيات العائدة لمسار عملية الحفر لإستخراج النفط والغاز”.
أضاف: “سأحاول الشرح دون أن أطيل عليكن وعليكم : بعد أن تقدم تحالف Total و ENI و Qatar Energy بطلب رخصة حفر بئر في البلوك رقم ٩ ووافقت عليه هيئة إدارة قطاع البترول ووزارة الطاقة ، بدأ العمل وإستمر وفقاً للجدول الزمني المقدم مسبقا في طلب رخصة الحفر. حالياً الحفر هو على عمق ١٧٠٠ متر تحت سطح المياه وعلى عمق ١٨٠٠ متر تحت قعر البحر ما يعادل ٣٥٠٠ متر تحت سطح المياه، اي ان عمق الإستخراج هو اكثر من إرتفاع القرنة السوداء أعلى قمة في جبال لبنان . الأسبوع القادم سيشهد لبنان المرحلة الأخيرة في عملية الاستكشاف الحالية حيث سندخل في تماس مع طبقات المكمن المحتمل، في هذه المرحلة سنتوقع وجود صخور هيدروكاربونية يمكننا عندها وعبر أجهزة القياس وبواسطة المعدات المتطورة ولوج العمق المحتمل اي ٤٣٠٠ متر لقياس خصائص الصخور وطبيعة المواد الموجودة في العمق الجديد. وفي حال وجود مواد هيدروكاربونية ذات إعتبار ننتقل إلى مرحلة الإستخراج التجريبي بناءً على النتائج الأولية المتوقع صدورها أواخر تشرين الأول ٢٠٢٣ حول الاكتشاف أم عدمه. وفي حال سارت الأمور من دون أي معوّقات تقنية تتصل بواقع الأرض وطبيعة الطبقات الجوفية ، نكون قد خطونا خطوة جبّارة باتجاه إنهاء أزماتنا الإقتصادية والإجتماعية”.
وتابع: “أمّا التفاصيل الدقيقة حول ما إذا كان هناك كميات تجارية أم لا، فستصدر في نهاية العام الحالي حيث نكون قد قمنا بتحليل كافة المعطيات والمعلومات الوافدة إلينا من قعر مياهنا الإقليمية، عندها يصدر تقرير مُفَصّل وتقديري حول ما هو موجود وما هو مُعوّل عليه. لا يمكن لأي شخص أن يُقدّر حالياً واقع حال الحفر لأننا ندخل طبقات جديدة تمكّننا من رسم الخريطة التشابهية بين الطبقات الجيولوجية بين بحر فلسطين المحتلة وبحر لبنان وفي موقع حفر بئر قانا تحديدا. هذه الخريطة لم يكتشفها أحد ولا وجود لمثيلتها في المياه الإقليمية. هذه أول بئر تحفَر في هذه المنطقة وأول ولوج إلى هكذا طبقات في المنطقة. فإذا كانت وتيرة التشابه عالية ومتكررة في منطقة الحفر، نكون أمام إكتشاف. بعدها يبقى لنا تحليل المعطيات والدراسات من داخل البئر لمعرفة هل هذا الاكتشاف هو اكتشاف تجاري ام لا”.
وقال: “الإكتشاف بحدّ ذاته إنجاز للبنان. فحتى لو لم تُؤَشِّر المعطيات إلى أنّ هناك إكتشاف تجاري فإن المعطيات المراكمة تؤَّسس لإكتشافات أخرى لحقل قانا والبلوك رقم ٩ تطلق خطوات متلاحقة بإتجاه الإكتشاف التجاري. لذلك يشكل هذا الشهر شهراً مفصلياً للتأكد من وجود إكتشاف نفطي أم لا. في هذه المرحلة أتمنى على الجميع تَوّخي الحذر بإطلاق الترجيحات والتوقعات لان المعطيات لا تزال تردنا ولا زلنا في طور تجميع المعلومات ليُصار بعدها إلى تحليلها علمياً وإطلاع الرأي العام عليها. إنّ ما حدث من تغيير لموقع الحفر حصل في بداية الحفر في أول٥٠ متراً من الحفر وهذا شيئ طبيعي وفّر علينا أيام من الإنتظار ووفّر كلفة مادية على الشركة المستكشفة، وهذا التغيير لا يُؤَّثر سلبياً على نتيجة الحفر بل على غرس ركائز للبئر على أُسُس صخريّة صلبة ومتماسكة. إنّ الفريق التقني في الوزارة وفي هيئة ادارة قطاع البترول يراقب ٢٤ ساعة على ٢٤ ساعة عن بُعد كافة المعطيات و بنفس التوقيت مع الحفّارة . لدينا القدرات والطاقات البشرية اللبنانية الكافية الكفيلة بمواكبة النتائج وتحليلها لذا أود لفت نظركم إلى أننا وعلى مرّ عدة ولايات لوزراء الطاقة المتعاقبين، كان هناك تشديد على فرض إعتماد كوتا من اليد العاملة اللبنانية بنسبة لا تقلّ عن ٨٠ بالمئة من العمّال والإداريين والمهندسين، وهي نسبة عالية لتحفيز مشاركة اللبنانيين بالمساهمة بإستخراج ثروتهم الوطنية. يتخلل الإستخدام هذا تدريب وتأهيل وتمرين الكوادر المعنية لتواكب أطقم الشركات العالمية في هذا المجال”.
أضاف: “بعد التأكد من تحقيق الإكتشاف ننتقل إلى مرحلة التطوير والإنتاج التي تسبقها مرحلة سنتين لتحضير البنية التحتية للغاز الذي لا يمكن تخزين الكميات التجارية منه، بل يجب تأمين سوق تجاري له قبل الشروع بإستخراجه وذلك بالتعاون ما بين الهيئة والوزارة، لنصل بعدها إلى إختيار الطريقة الأنسب لتطوير الحقل: أي معرفة كم بئر سنحفر مع كامل ملحقاتهم، وكذلك موضوع التصدير للخارج و الإستهلاك المحلي. عندها يلزمنا حوالي ٣ سنوات لحسم هذه الأمور ليُصار بعدها إلى التنفيذ. وقتها يمكننا أن نبارك لنا جميعا بأنّ لبنان أصبح بلد نفطي لديه أصول إضافية وأصبح على طريق التعافي الإقتصادي للنهوض من أزمته. نحن بحاجة لتظافر كافة الجهود ويلزمنا مواكبة من كافة الوزارات المعنية. وكذلك نأمل من الحكومة رفد كافة الإدارات بالجهاز البشري المطلوب وقتها، لمواكبة الإستحقاق النفطي”.
واردف: “كل هذا لم يكن ليحصل لولا المثابرة لوضع الإطار القانوني المتماسك الذي تم الانتهاء منه في جزئين: الأول في عام ٢٠١٠ “مراسيم إستخراج النفط” ثمّ في عام ٢٠١٧ مع وضع مرسوم تقسيم البلوكات ومرسوم البيئة والمحيط. والأهمّ هو الإنجاز الجيوسياسي التاريخي لترسيم الحدود البحرية في أكتوبر ٢٠٢١. كما نَود الإضاءة على التفاني والإلتزام للكونسورتيوم في التخطيط والدراسات والحصول على ترخيص الحفر ، وتنفيذ التحضيرات اللوجستية اللازمة، وتوفير الحفارة، وتنفيذ عمليات الحفر. كل ذلك بسرعة قياسية عالمية، ممّا ضمن وصولنا إلى قمة الإحتمالات للإستفادة من معرفة معطيات وتفاصيل الموارد الهيدروكربونية في غضون ١١ شهر للوصول الى المكمن المحتمل”.
وختم فياض: “أَود أن أتوجّه بالشكر لنقابة المهندسين في الشمال وعلى رأسها النقيب المهندس بهاء حرب ورئيسة اللجنة العلمية في النقابة د. كلوديا مطر على تنظيمهم هذا المؤتمر، ممّا أتاح لنا فرصة للتواصل مع أهلنا في الشمال الحبيب واللقاء مع هذه الكوكبة المتنوعة والغنية من رجال الفكر والعلم لنشر الطمأنينة وزرع الأمل لدى المواطن اللبناني حول مستقبل ثروتنا وثروة الأجيال الوطنية. أُكرّر شكري وتقديري لكل مَن ساهم بإنجاح هذا المؤتمر ، والى اللقاء في المؤتمرات المقبلة باذن الله”.