كتب عمر البردان في “اللواء”:
يبدو بوضوح استمرار معادلة إشغال إسرائيل على الجبهة الجنوبية، من جانب «حزب الله»، طالما استمرت الحرب الإجرامية على قطاع غزة، بانتظار ما ستؤول إليه التطورات الميدانية بين حركة «حماس» وإسرائيل. وهذا ما برز من خلال تصاعد حدة المواجهات العسكرية على الحدود اللبنانية الإسرائيلية بشكل لافت، في اليومين الماضيين. ما ينذر بانفجار الوضع في أي لحظة، بعد قيام «حزب الله»، أمس، بإطلاق صاروخين موجهين من طراز «كورنيت» باتجاه مركز عسكري إسرائيلي في بلدة عرب العرامشة المتاخمة لبلدة الضهيرة اللبنانية في القطاع الغربي. وقد رد الجيش الإسرائيلي بقصف أطراف بلدات الضهيرة، يارين، مروحين وعلما الشعب بالقذائف الفسفورية الحارقة. كما قامت طائرات مسيَّرة إسرائيلية بقصف عدد من مراكز «حزب الله» في المنطقة. وهذا ما دفع العديد من أهالي هذه البلدات لمغادرتها باتجاه مناطق أكثر أمناً.
ويظهر جلياً من خلال مجريات الأحداث اليومية التي لا تزال «مضبوطة» إن صح التعبير، أن الحزب أخذ قراره بالاستمرار في استفزاز الإسرائيليين، عبر الرسائل الصاروخية التي يُصار من خلالها إلى استهداف مراكزهم العسكرية في القطاعين الغربي والشرقي، وصولاً إلى مزارع شبعا. بانتظار ما ستحمله الأيام المقبلة من تطورات على صعيد الحرب الإسرائيلية الهمجية ضد قطاع غزة. وتشير كل المعطيات إلى أن الجبهة الجنوبية معرضة للانفجار في اي وقت، إذا ما أقدم الجيش الإسرائيلي على القيام بهجوم بري ضد القطاع. وهذا بالتأكيد سيدفع الحزب إلى فتح جبهة الجنوب ضد إسرائيل، لأنه أكد وعلى لسان العديد من مسؤوليه أنه لن يقف على الحياد.
وبالنظر إلى ما يجري على الحدود الجنوبية، وفي ظل تسارع الأحداث على نحو ينذر بالأسوأ، فإن المراقبين يعتبرون أن الوضع ذاهب باتجاه التصعيد، لكن يبدو بوضوح أن الطرفين، يخشيان البدء في فتح أبواب المواجهة، فحزب الله لا يريد أن يكون هو البادىء، لكنه بالتأكيد لن يتردد في التصدي لأي هجوم تقوم به إسرائيل، باعتبار أنه أعد العدة لكل الاحتمالات. وعلى هذا الأساس فإنه لا يمكن التكهن بمسار الأمور على الجبهة الجنوبية، وإن كانت المعطيات تشير إلى أن موعد الانفجار لم يعد بعيداً، في ظل استمرار حركة نزوح سكان المناطق الحدودية باتجاه المناطق الآمنة، في وقت دعت الجبهة الداخلية الإسرائيلية سكان المناطق الحدودية الشمالية للدخول إلى الملاجئ، أو إلى مغادرتها. وهذا نذير باقتراب الموعد. وإن كشفت الأحداث الأخيرة عودة منطقة جنوب الليطاني، لتكون ساحة للمنظمات الفلسطينية، على غرار «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، في حين يفترض أن تكون في عهدة الجيش اللبناني وحده.
ولأن كلفة الحرب ستكون كبيرة على لبنان، في حال انفجار الأوضاع في الجنوب، فإن الجهود الدبلوماسية الرامية إلى نزع فتيل التوتر استمرت على أكثر من صعيد. وكان البارز التحرك الذي قامت به السفيرة الأميركية دوروثي شيا، باتجاه رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، في حين جال سفير فرنسا في لبنان هيرفيه ماغرو على المسؤولين اللبنانيين، في اطار المساعي الدولية التي تُبذل لضبط النفس تزامنا مع الهجوم على غزة، في وقت ذكر ان الردّ اللبناني للسفيرة الاميركية على المطالبة الدولية «كي يبقى لبنان بمنأى عن هذه الحرب، أنه على اسرائيل الاّ تنتهك سيادتَه ولا القرارات الدولية، سيما الـ 1701». في ظل مطالبات واسعة من جانب القوى المعارضة لعدم جرّ لبنان إلى حرب مفتوحة مع إسرائيل، لا يمكن التكهن بنتائجها الكارثية على البلد وأهله. وهو ما سبق وحذرت منه، في ظل دعوات المنظمات التي تدور في الفلك الإيراني إلى وحدة ساحات المقاومة، وهو الأمر الذي دعت إليه «حماس» منذ اليوم الأول لـ«طوفان الأقصى».
والسؤال الذي يُطرح، هل يصار إلى جرّ لبنان إلى هذا الطوفان، استناداً إلى ما يجري في جنوبه من أحداث أمنية متسارعة؟ تردّ مصادر سياسية معارضة بالتأكيد أن «القرار عند «حزب الله» ومن خلفه الإيرانيون الذين يدعمون كل حركات المقاومة. فإما أن يبقى ما يجري على الحدود في إطار الرسائل، أم أن هناك قراراً بالتفجير الواسع، مع ما يمكن أن يترتب عن ذلك من أثمان باهظة سيدفعها لبنان، كما في كل مرة»، مشددة على أنه «ثبت أن قرار الحرب والسلم بيد الحزب وحده، وأن لا قرار للدولة وقواها العسكرية والأمنية في كل ما يجري. وسط تساؤلات عن مصير الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل، وهل يمكن أن يكون ضحية أي حرب محتملة بين الحزب وإسرائيل؟». وتشير إلى أن «كل الملفات الأخرى قد وضعت جانباً، لأن الحزب مشغول بالحرب، وهو الذي كان في الأساس لا يقدم التسهيلات لإنجاز الملف الرئاسي، فكيف بالأحرى في ظل هذه الظروف التي تستدعي من الجميع وضع مصلحة لبنان فوق أي اعتبار، بعيداً من أي مغامرات غير محسوبة العواقب».