كتبت جوانا فرحات في “المركزية”:
ليست لعنة الجغرافيا وحدها التي وضعت أبناء مناطق وقرى الشريط الحدودي تحت الخطر الداهم، وحولت أرضهم إلى ساحات للصواريخ والقصف المتبادل في كل مرة تشتعل فيها الجبهات بين حزب الله والجيش الإسرائيلي. فلعنة تجاهل الدولة منذ عقود وعقود لأكثر من مليوني مواطن يسكنون القرى والبلدات الجنوبية هي اللعنة الموجعة التي دفعوا وما زالوا يدفعون ثمنها في كل جولة قتالية أو حرب همجية إما من لحمهم الحي أو من وجودهم وبقائهم وجذورهم.
أبناء بلدة رميش المتكئة على الشريط الحدودي جنوبا، استعادوا سجل ذكريات هاتين اللعنتين من اللحظات الأولى على الهجوم الذي شنته كتائب القسام التابعة لحركة حماس على مستوطنات في غلاف غزة وصولا إلى الحرب المعلنة التي أعلنتها إسرائيل على قطاع غزة. وهم الذين دفعوا الأثمان الباهظة خلال الإحتلال الإسرائيلي، وبعد تحرير أرض الجنوب في العام 2000، وأيضا في حرب تموز 2006 عندما تشرد أبناء البلدة ونزحوا في غالبيتهم إلى بيروت، ومن بقي منهم عاش ظلامية القصف واستباحتها من قبل عناصر تابعة لحزب الله دخلوا البلدة بصفة نازح وحولوها إلى مقرات لمنصات صواريخهم فكان الثمن غاليا وموجعا جدا.
“هذه المرة لن تكون كسابقاتها. فقد تعلمنا أن لا نشرِّع أبوابنا لأي نازح خصوصا بعدما استغل نازحون في العام 2006 أراضينا وبيوتنا. فكيف إذا كانوا من النازحين السوريين؟. وما حصل ليل الإثنين الماضي يؤكد صوابية التدابير التي اتخناها كأهالي بلدة رميش”. ماذا في الوقائع على الأرض.
يروي رئيس بلدية رميش ميلاد العلم لـ”المركزية” أن بعد مرور 24 ساعة على اندلاع الحرب في قطاع غزة فوجئنا بزحف مجموعة تضم أكثر من 500 نازح سوري، حاولوا الدخول بالقوة إلى بلدة رميش. وعندما حاول الأهالي التصدي لهم، وقع شجار وتعرض عدد من أبناء البلدة للضرب من قبل النازحين الذين كانوا يحملون العصي والحجارة وتم ردعهم بالوسائل البدائية”.
الطريقة الإستفزازية أثارت غضب الأهالي وهم في الأساس يعيشون حالا من الخوف والهلع والترقب، خصوصا بعد تعرض البلدة لعدد من القذائف خلال اليومين الماضيين “فعلى أي أساس قرر النازحون السوريون اللجوء إلى بلدتنا وقرانا وهي في الأساس ليست آمنة؟”.
يضيف العلم”سيناريو الحرب الدائرة اليوم يختلف كليا عن حرب تموز. وكان يفترض بالنازحين السوريين الذين قدموا من قرى عيتا الشعب وتولين أن يتوجهوا نحو بيروت وليس إلى مناطقنا التي نزح بعض أهاليها إلى بيروت وضواحيها هربا من القصف الذي يطال البلدة”.
محاولات دخول نازحين سوريين إلى بلدة رميش هربا من القصف الذي يطال البلدات الجنوبية التي كانوا نزحوا إليها لم تتوقف، ويقول العلم”في الليلة الأولى هاجموا الأهالي بالحجارة والعصي فتصدينا لهم باللحم الحي وواجهنا الخطر ومستمرون باتخاذ كل التدابير التي من شأنها أن تحمي بلدتنا من أفواج النازحين لأننا عاجزون عن استيعاب عائلة واحدة من النازحين السوريين. فالقضية اليوم مصيرية وتتعلق بالوجود. في رميش حوالى 500 نازح سوري ولا يمكننا استقبال نازحين جدد لأن البنى التحتية لا تستوعب أعدادا جديدة من النازحين حتى أن كميات الطحين والغذاء بالكاد تكفي أبناء البلدة في حال اشتدت وتيرة القصف ولا أحد يعلم متى تنتهي هذه الحرب. ما لدينا مخصص لأبناء البلدة وأهلنا المرجح أن يأتوا من البلدات التي قد تشهد حركة نزوح ومنها دبل وعين ابل ويارون وعيتا. حاليا نعمل على إنشاء مستشفى ميداني في حال سقوط جرحى خصوصا أن أقرب مستشفى موجود في صيدا ومستشفى بنت جبيل الحكومي أقرب إلى مستوصف”.
ليس خافيا على أحد الخطر الداهم على أبناء قرى وبلدات الشريط الحدودي خصوصا أن احتمال إشعال الجبهة الجنوبية في حال وصلت كلمة السر الإيرانية لحزب الله وارد في أي لحظة، والأرجح أنها باتت أقرب مما يتصوره البعض بعد قصف الطائرات الإسرائيلية مطار دمشق الدولي حيث كان مقررا أن تحط الطائرة التي تقل وزير خارجية إيران حسين عبد اللهيان مما اضطره للعودة إلى إيران بدل أن يقرر التوجه إلى مطار بيروت الدولي.فهل بدأ العد العكسي للرد الإيراني على إسرائيل من الحدود الجنوبية؟
” 6 أيام ولا نعلم ما هو مصيرنا. الأهالي يعيشون في حال قلق وخوف. ليلنا نهار بسبب القنابل المضيئة عدا عن أصوات القذائف والصواريخ وصفارات الإنذارات التي تدوي إما من المستوطنات الشمالية المحاذية للحدود أو من مواقع تابعة لليونيفيل” يضيف العلم” في كل دول العالم هناك خلية أزمة تنشأ عند اندلاع حرب. إلا في لبنان ترانا متروكون للقدر وللتدابير المركزية التي نتخذها كأهالي ومدنيين وكأنه كتب علينا نحن أبناء الشريط الحدودي أن ندفع دائما ثمن سكوت الدولة وتجاهلها لمتطلبات أهالي البلدات الحدودية”.
إنه الخطر الداهم يقول العلم قبل أن يختم مؤكدا على قرارهم بالتصدي للنازحين السوريين ومواجهة المخاطر التي يعيشونها في يومياتهم…لكن إلى متى؟ وهل تعي هذه الدولة أن هناك شعبا لبنانيا في أرض الجنوب وتحديدا في بلدات الشريط الحدودي؟”.