كتب أنطوان الأسمر في “اللواء”:
زادت الحرب في غزة التعقيدات اللبنانية، لا بل أضفت على الاستحقاق الرئاسي مزيدا من اللايقين. وأضحى واضحا أن المسؤولين فرّطوا (أو يكادون) بوميض الإهتمام الدولي لإنهاء الفراغ الرئاسي ووضع لبنان على سكة التعافي السياسي والاقتصادي، نتيجة الإهمال والعناد وتغليب الذات على المصلحة الوطنية العليا.
يتفرّغ المجتمع الدولي راهنا لتطويق التصعيد العسكري في فلسطين وللحدّ قدر الإمكان من التداعيات المحتملة على الأمن الإقليمي، ولا سيما على الأمن الطاقوي. فمنصّات الغاز الجديد اللبنانية والإسرائيلية عند التخوم الجنوبية، على مرمى حجر من أي تصعيد غير محسوب. كما أن إعادة ترتيب المنطقة وفق رؤية جيوسياسية متجدّدة أضحت رهينة الأعمال الحربية. ولا ريب أن المملكة العربية السعودية أبطأت أهم عملية تطبيع على مستوى العلاقة العربية – الإسرائيلية، وهو ما تعوّل عليه الإدارة الأميركية أشدّ تعويل، نتيجة المشهد الفلسطيني المأسوي. وليس واضحا بعد مآل تلك العملية ومصيرها.
مع تسارع وتيرة الحرب، تتسارع الاتصالات العربية والدولية لتفادي توسعها وانتقالها إلى الجبهة الجنوبية. وعاد رئيس مجلس النواب نبيه بري المعتمد في إيصال الرسائل الغربية إلى حزب الله، ولا سيما الفرنسية والأميركية منها،وكأن المطلوب واحد: عدم تدخّل حزب الله جديا وفعليا في مسار الأعمال الحربية تحت طائلة رفع أي خطوط حمر إسرائيلية.
في المقابل، لا يجد الحزب نفسه معنيا، في المعلن، في بث أي تطمينات إلى إسرائيل من نوع الالتزام بعدم التصعيد أو عدم المشاركة كليا أو جزئيا. لكن حقيقة الأمر تعكس قراءة موضوعية لمسار الأمور. وثمة من المسؤولين من يجزم أن الحزب أبلغ المعنيين أنه غير معنيّ بأي مشاركة مباشرة ما لم تضرب إسرائيل لبنان. لذلك كان حريصا في الأيام الأخيرة على تثبيت ترسيم قواعد الإشتباك (ما يسمّيه توازن الرعب) بحيث لا تجد تل أبيب ذريعة لتغييرها أو تعديلها. فكانت ضربة الحزب الأولى التضامنية في منطقة مزارع شبعا (مواقع الرادار وزبدين ورويسات العلم) غير الخاضعة عمليا لمندرجات القرار 1701 لوقوعها في المساحة المتنازع عليها بين خطّي الهدنة سنة 1967 وسنة 1973، وهو سلوك اعتمده الحزب منذ أن وضعت حرب 2006 أوزارها. ثم طوّر عملياته بعد سقوط 3 من عناصره، فردّ بالمثل وقتل من قتل في استهدافه موقع الجرداح العسكري الإسرائيلي قبالة الضهيرة.
يكمن التحدي اللبناني راهنا في أمرين:
١-تحييد حزب الله قدر الإمكان عن الحرب وتثبيت قواعد الاشتباك المرعية منذ آب ٢٠٠٦، توازيا مع ضبط الحدود الجنوبية ومنع العناصر غير المنضبطة، وهو غالبا الاسم الحركي لمسلّحين فلسطينيين سبق أن شاركوا في إطلاق صواريخ الكاتيوشا من مناطق مفتوحة، من استخدام الجنوب مجددا ساحة بذريعة النصرة.
٢-الحفاظ قدر الإمكان على الاهتمام الدولي بالحلّ اللبناني واستتباعاته. وليس خافيا أن المجموعة الخماسية نقلت جلّ اهتمامها إلى الأحداث في غزة. فالدوحة تكرّس راهنا ديبلوماسيتها من أجل تطويق تداعيات الحرب، وهو ما سيحدّ من اهتماماتها اللبنانية، وربما يعلّقها إلى أمد في انتظار ما سيحدث فلسطينيا. وكان لافتا تضاؤل الحديث الإعلامي عن مهمة الموفد الأمني جاسم بن فهد آل ثاني الذي حضر في الأساس للتحضير إلى زيارة وزير الدولة في وزارة الخارجية محمد بن عبدالعزيز بن صالح الخليفي، علما أن هذه الزيارة أرجئت قبل بدء الحرب في غزة نتيجة الحاجة القطرية إلى مزيد من العمل من أجل إقناع رئيس تيار المردة سليمان فرنجية بالانسحاب من المضمار الرئاسي.
أما باريس فلا تزال تبدي اهتماما بالأزمة اللبنانية، لكن واقعيتها ربما تقودها إلى إبطاء مهمّة الموفد الرئاسي جان – إيف لودريان، بفعل التعقيدات المستجدة، إلى جانب تداعيات الأزمة الناشئة من حرب أوكرانيا ولا سيما تحدّي الأمن الطاقوي، والغازي تحديدا، على أبواب شتاء جديد، وليس انتهاء بكثرة انشغالاتها في الساحل الإفريقي حيث تواجه تراجع النفوذ والدور، وتفقد تباعا الموقع تلو الآخر.
وكان المقرر أن يعود لودريان إلى بيروت في أي توقيت بدءا من منتصف تشرين الأول، وهي جولته الرابعة في سياق مهمّته الرئاسية. لكن لا معطيات واضحة أو ثابتة بعد في خصوص هذه الزيارة، ولا عن مآل تواصله مع نظرائه في المجموعة الخماسية. وهو ما يجعل الكلام عن الجولة الفرنسية الرابعة من باب التكهّن في انتظار تكوّن مزيد من التفاصيل والمعلومات.