كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
لقاءان هما الأهم في زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الى لبنان، زيارته الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله، واجتماعه بقائدين من الفصائل الفلسطينية، هما زياد نخالة وصالح العاروري. وتقصّد السفير الإيراني مجتبى أماني نشر صورة للمجتمعين ضمن تغريدة على منصة «إكس» لتكون بمثابة رسالة لإسرائيل.
جلّ اهتمام عبد اللهيان كان التأكيد على وحدة الساحات، ونقل فحوى الرسائل التي تطلب عدم تدخل «حزب الله» في الحرب، وفتح ساحات جديدة للمواجهة انطلاقاً من الجنوب اللبناني، وهذه مسألة غير مضمونة. والنقطة الأخيرة مدعاة قلق في ظل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة جنوباً، التي يتصدّى لها «حزب الله». من ساحة الجنوب يمكن تلمّس ارتباك الجانب الإسرائيلي وخوفه من تحريك الجبهة متى دنت ساعة الصفر لمؤازرة المقاومة الفلسطينية.
الواضح أنّ القرار بذلك لم يتخذ بعد لوجود أوراق لدى المقاومة الفلسطينية لم يكشف النقاب عنها بعد. بدقة بالغة يدير «حزب الله» المواجهات مع اسرائيل جنوباً، يصدّ الاعتداءات من دون تخطّي قواعد الاشتباك، لعلمه أنّ الداخل الفلسطيني في غنى عن فتح جبهات تشيح النظر عن أصل المعركة وأهدافها، ولأنّ المقاومة الفلسطينية مرتاحة الى وضعها، ولم تكشف عن كل مخططاتها بعد.
تقود المقاومة الفسطينية معركتها بقوة من دون الحاجة إلى قوة إسناد خارجي، لذلك فإنّ تحريك جبهة الجنوب على نطاق واسع لن يكون قريباً، إلّا إذا ارتكبت إسرائيل عملاً متهوراً، وما تشهده الحدود الجنوبية من ضربات لم تخرج عن إطار قواعد الاشتباك المتعارف عليها بين «حزب الله» واسرائيل، وإن كان هذا لا يشكّل عامل اطمئنان طويل الأمد، إلا بقدر ما هو مرتبط بطبيعة المعركة والقدرة على الصمود والحاجة إلى دعم الساحة داخل فلسطين.
كان لافتاً موقف رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الذي آزر «حزب الله»، لكنّه حذّر من السماح للفلسطينيين بالعودة إلى تاريخ تعاملهم القديم مع ساحة الجنوب. ركّز باسيل على الموقف المسيحي من الحرب التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة، متوجهاً إلى مَن يسأل عن «علاقة لبنان بكل ما يجري لنقحِمَه ضد إسرائيل؟»، وذكّر «بأنّنا أصحاب حقوق مغتصبة وأرض محتلّة، لنا في الأقصى وفي كنيسة القيامة، والقدس وبيت لحم جذور دياناتنا وثقافاتنا وايماننا، ناهيك عن أننا معنيون بقضية لاجئين على أرضِنا لهم حقّ العودة إلى أرضِهم». كلام يعيد التأكيد على خيارات «التيار» الكبرى التي بدأت مع اتفاق مار مخايل وصولاً إلى حرب تموز. موقف يصدر للمرة الأولى ليشكل خطاً جديداً لدى المسيحيين، سبق وتمّ التعبير عنه سابقاً في مواقف الرئيس السابق إميل لحود، لكن من دون قاعدة شعبية، كما هي حال «التيار» اليوم.
حاول باسيل الموازنة بين مراعاة مشاعر المسيحيين، ومؤازرة المقاومة. رفض «فتح لاند» جديدة، أو تجسيد وحدة الساحات بمعنى استخدام الفلسطينيين الجنوب ساحة، وقال لحليفه: «بقدر ما نملك دفاعاً مشتركاً وتصدياً لإسرائيل بقدر ما نرفض أن يحوّل الدفاع عن فلسطين لبنان إلى ساحة كفاح مسلح أمام الفلسطينيين، كما في الماضي، ولا سيما في ظل إقفال بقية الساحات». ومثل هذا الموقف لا يعكس رأياً عاماً مسيحياً فحسب، بل هناك بين المسلمين من يرفض نظرية عودة الساحات واستباحتها من قبل الفلسطينيين لتكون متنفس اسرائيل الوحيد لتنفيذ اعتداءاتها.
ينقسم المزاج المسيحي حيال «حزب الله» إلى جبهتين: واحدة تقول ممنوع على «حزب الله» الانخراط في الحرب، وعبّر عنها بيان «القوات اللبنانية» ونواب المعارضة، وثانية تقول لا نريد استدراج الحرب، لكن إذا وقعت فحكماً سنكون إلى جانب حزب الله»، ولكن نرفض إعادة الجنوب ليكون ساحة للعمل الفلسطيني المسلح، وعبّر عنه رئيس «التيار»، وهذا هو موقف لبنان منذ تاريخ أول حوار ترأسه رئيس مجلس النواب نبيه بري.
أعاد باسيل المسيحيين إلى خيار الموقف العربي من اسرائيل ليكون طرفاً في المواجهة بين اسرائيل والفلسطينيين داخل فلسطين، وليؤكد جذور المسيحيين في الداخل الفلسطيني، مؤيداً قضية الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني، وبما يمثل خطاب استعادة الدور الريادي للموارنة بالتزام قضايا المنطقة، وتحديداً القضية الفلسطينية. تقول مصادر رئيس «التيار» «إنّه تقصّد ألا يذهب إلى الحياد، بل إلى التحييد، فهو بالموقف ليس على الحياد ومع الضحية ضد الجلاد». أعاد باسيل المسيحيين إلى الخيار المشرقي والعربي وأظهر واقعاً شبيهاً بحرب تموز يوم أمّن الغطاء لـ»حزب الله» على مواجهته إسرائيل جراء اعتدائها على لبنان. مراهنة جديدة بمصيره السياسي ومواقف جديدة تتحدى الغرب والأوروبيين.
هي ساعات صعبة يعيشها الجميع بمن فيهم «حزب الله» على وقع لهب ساحة غزة والجنوب تسبق مفاوضات على تسوية يستلزم نجاحها وقتاً فنكون في سباق بين تدهور يهدّد المنطقة بأسرها أو هدوء لن يغيّر إن حصل واقع إسرائيل المأزوم من الداخل.