كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
صحيح انّ موسكو منشغلة بالحرب في أوكرانيا وتمنحها الاولوية القصوى، الا ان ذلك لم يمنعها من إيلاء الحرب على غزة والتوتر على الحدود الجنوبية للبنان، جزءاً من اهتمامها ونشاطها الدبلوماسيين، خصوصا بعدما اتخذت المواجهة بُعداً دولياً مع إرسال الولايات المتحدة حاملة طائراتها الى سواحل المتوسط دعماً للاحتلال الاسرائيلي.
تعلم روسيا جيداً انّ ساحات النزاع تكاد تكون مترابطة، وان ما يجري حاليا في الشرق الأوسط ستكون له انعكاسات بشكل او بآخر على ملف أوكرانيا، تبعاً لطبيعة موازين القوى التي ستفرزها المواجهة الحالية.
وعلى وقع الانفجار الميداني، سُجل اتصال هاتفي بين الرئيسين الروسي والإيراني، كذلك زار نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف قطر للقاء مسؤوليها، على أن اللافت هو اجتماعه المقرر مع احد قياديي حماس موسى او مرزوق.
ويؤكد المطلعون ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مستاء جداً من بنيامين نتنياهو بسبب الموقف الذي اتخذه من الحرب في أوكرانيا، والذي وجد فيه بوتين نوعاً من الجحود وقلة الوفاء، لا سيما انه كان يعتبر انّ هناك صداقة تجمعه برئيس الحكومة الإسرائيلية. وبالتالي، هو بَدا حريصا خلال المرحلة السابقة على تعزيز العلاقة مع تل أبيب وتفهّم مصالحها، قبل أن «يباغته» دعمها لأوكرانيا والذي ترجمته اتصالات عدة أجراها نتنياهو بالرئيس الاوكراني زلينسكي منذ بدء الحرب بينما لم يُبادر الى اي تواصل مع بوتين.
وقد شَبّه بوتين الحصار الاسرائيلي لغزة بحصار ليننغراد، وهو تشبيه ينطوي على رمزية بليغة، إذ انّ النازيين هم الذين حاصروا ليننغراد وكأنه بهذه المُحاكاة يساوي بينهم وبين ما يفعله الاسرائيليون في قطاع غزة.
وضمن سياق مواكبة التطورات التي لفحت رياحها المُلتهبة الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، التقى نائب وزير الدفاع الروسي الجنرال الكسندر فومين، الموثوق جداً من بوتين، السفير اللبناني في موسكو وعميد السلك الدبلوماسي العربي في روسيا شوقي بو نصار لساعة وعشرين دقيقة، وذلك بناء على طلب الأول، علماً انها من المرّات الاستثنائية التي يحصل فيها مثل هذا الاجتماع.
كذلك التقى بو نصار نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف ومدير ادارة الشرق الاوسط وافريقيا في الخارجية السفير الكسندر كينشاك، الى جانب مشاركته في اجتماع عقده السفراء العرب المعتمدون في موسكو مع وزير الخارجية سيرغي لافروف.
ووفق المعلومات المستقاة من مصادر دبلوماسية، فإنّ موسكو تحمّل الكيان الاسرائيلي وخلفه الولايات المتحدة مسؤولية تصاعد الأحداث وصولا الى الانفجار الكبير، وذلك نتيجة تَعنّت تل أبيب وارتكاباتها المتمادية في حق الفلسطينيين وتسبّبها في شل عملية السلام من خلال اصرارها على رفض حل الدولتين الذي هو الوحيد القادر على إنهاء الصراع، وفق قناعة الروس.
وما زاد الطين بلة، في رأي موسكو، «سلوك حكومة المتطرفين التي تولّت زمام السلطة وأوصَلت الوضع الى المأزق الراهن، بتغطية من واشنطن التي تمنح الكيان الاسرائيلي دعماً أعمى».
وتعتبر القيادة الروسية انّ الاميركبين هم «منافقون لأنهم ينادون ظاهرياً بحل الدولتين ولا يفعلون شيئا في الواقع لتطبيقه».
ويلوم الروس السلطة الفلسطينية على لجوئها الى وضع كل أوراقها في سلة واشنطن، وتغاضيها عن إقصاء موسكو وحتى الاوروبيين عن العملية السياسية، «فكانت النتيجة انهيار تلك العملية وبالتالي اندلاع جولة جديدة من العنف».
وتبعاً للمصادر الدبلوماسية، لا تخفي موسكو قلقها من مسار الوضع الجنوبي، مؤكدة حرصها على سلامة لبنان واستقراره.
ويتفهّم الروس، كما توضح المصادر الدبلوماسية، رَد «حزب الله» على الاعتداءات الإسرائيلية بعمليات موضعية، لكنهم ينصحون الحزب بتفادي توسيع حجم ردود الفعل، منعاً للانزلاق الى حرب واسعة، لافتين الى انه وبعد عملية طوفان الأقصى، حصل تعاطف اميركي وأوروبي غير مسبوق مع «إسرائيل» التي قد تستغلّ الأمر لِشَن حرب همجية على لبنان، تحت شعار حماية أمنها، «ولذا يجب على المقاومة اللبنانية ان لا تُستدرج وان تبقي المواجهات على الحدود ضمن نطاق محدود، مع تأكيد حقها في الدفاع عن بلدها»، وفق وجهة النظر الروسية.