IMLebanon

معارك غزة: بين تصفية الحسابات والخوف من حرب شاملة!

كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:

تتقاطع الآراء على أنّ الصراع المتفاقم بين فصائل المقاومة وإسرائيل يشكّل قنبلة موقوتة، تتخطى بتداعياتها الأعمال الحربيّة الاجرامية لتصفية الفلسطينيين العزّل في غزة، وإعادة رسم حدود القوى الإقليميّة والدوليّة بدماء الأبرياء؛ وذلك بعدما استدعى هجوم «7 أكتوبر» تفعيل الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن محركاتها الديبلوماسيّة والعسكرية، لردع إيران وأذرعها عن الإنخراط في المعركة وتحويل الغزو الإسرائيلي البري المحتمل لقطاع غزة إلى حرب إقليميّة، ستكون عواقبها كارثيّة على الجميع، كما يتوقع المراقبون.

ورغم عدم إتضاح دوافع توقيت إطلاق فصائل المقاومة عمليّة «طوفان الأقصى»، إلّا أنّ نتائجها الكارثيّة على «الجيش الذي لا يقهر» نقل الإهتمام الدولي من الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا والخسائر التي تتكبدها الدول الأوروبيّة مباشرة، والولايات المتحدة بشكل غير مباشر، إلى فلسطين، وتحويل التصدي الغربي للتوسع الروسي العسكري في أوروبا، إلى محاولةٍ لإنهاء حلفاء روسيا في الشرق الأوسط، وفق ما أوضح العميد الطيار المتقاعد بسام ياسين لـ»نداء الوطن».

وتأتي هذه المقاربة مع تحذير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أول من أمس من «إحتمال تصاعد الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى حرب إقليميّة»، في حين لفت ياسين إلى أنّ التعويض عن الخسائر غير المباشرة التي تتكبدها الولايات المتحدة في أوكرانيا، يكمن في السعي إلى تحقيق «نصر مستبعد» في إسرائيل، واعتبار أنّ انهاء حلفاء روسيا، أي سوريا، و»حزب الله»، وفصائل المقاومة الإسلاميّة في فلسطين بشكل أساسي، وإيران بدرجة لاحقة، يشكل إنتصاراً لهم.

وتوقف عند أهمية ما حصل في 7 تشرين الأول 2023، مفترضاً أنّ هذا التاريخ سيرسم حكماً مستقبلاً جديداً للمنطقة، وشدّد على أنّ المشهد الدولي والإقليمي ينحو الى التطور الحذر ويتعذّر تحديد وجهته راهناً، وعبّر عن تخوفه من أنّ يشكل إرسال حاملتي الطائرات الحربيّة الأميركية إلى المنطقة تمهيداً لحرب إقليمية شاملة تتخطى الحرب على غزة أو لبنان.

وبربطه التطورات على حدود لبنان الجنوبية التي «لا تزال ضمن المقبول والمعقول»، بالهجوم البري على قطاع غزة، رأى أنّ المشكلة الإنسانيّة في غزة فرضت نفسها على العالم، وساهمت في تقليص الدعم الخارجي لإسرائيل، وتالياً، تراجع العوامل التي تدفع الجيش الإسرائيلي إلى القيام بعملية برية في ظل جهوزية المقاومة للتصدي لأي هجوم بري محتمل؛ وذلك قبل أن يعود إلى مشهدية عام 2006، ويكشف عن معلومات تفضي إلى أنّ «الولايات المتحدة كانت تعدّ نفسها لمحاولة الثأر للضحايا الذين سقطوا في حادثة «المارينز» وتفجير السفارة الأميركية عام 1983». (في 23 تشرين الأول 1983، قتل 241 جندياً أميركياً بينهم 220 من عناصر «المارينز» في بيروت بتفجير شاحنة مفخخة استهدفت المقر العام للقوات الأميركية قرب مطار بيروت، ونسب الاعتداء إلى «حزب الله»).

وهذا ما دفع العميد المتقاعد بسام ياسين إلى التأكيد أنّ المشهد لا يدفع إلى الإطمئنان، وأنّ الأيام الخطرة التي نمر فيها، تتطلب ترقباً دقيقاً ومتابعةً تفصيلية للمواقف الأميركية، والحذر من أن يشكل إستقدام التعزيزات الحربية الأميركية إلى المنطقة، مدخلاً لـ»تأديب لبنان، وإنهاء «حزب الله» والمقاومة، لما يشكلان من قدرة كبيرة على التأثير على الوجود الإسرائيلي باعتراف قياداته».

وإذ أشار إلى أنّ الضوء الأخضر لأي تصعيد إسرائيلي يعود إلى الدعم الدولي لها، استبعد إنخراط إيران مباشرة في الحرب لعدم توافر شروط المعركة والحسابات الخاصة والمختلفة لديها، كما قدرتها على التأثير على الأرض، وأوضح أنّ الكلمة الفصل والأساس تبقى لأرض الميدان والمواجهة الكبيرة والمفتوحة التي يمكن أن تتوزع على 3 جبهات، ومن الممكن تعزيزها بدعم عسكري ولوجستي من إيران. وتتوزع بشكل أساسي في غزة، وجنوب لبنان بدرجة ثانية، ويترك الباب بدرجة ثالثة لإمكانية إستخدام جبهة الجولان السوري في الحرب على إسرائيل.

وأمام ارتفاع صوت القذائف وحجم الدمار، كشف ياسين أنّ الإكتفاء بالقصف الجوي وتدمير قطاع غزة لا يحقق الأهداف الإسرائيلية، والمحاولات الدؤوبة لإعادة ترميم صورة الجيش الإسرائيلي الممزقة أمام العالم. واعتبر أنّ الذهاب إلى أي تسوية في ظل الإبقاء على قوة «حماس» وتحكمها بملف الأسرى، سيحدّ من قدرة إسرائيل على فرض شروطها على الطاولة. وهذا ما دفع العميد ياسين إلى التوقف من جديد أمام تعقيدات الحل السياسي ورفض إسرائيل القاطع فكرة إنشاء دولتين متساويتين وإعطاء القدس صفة وحماية دولية، وذلك قبل أن يختم مؤكداً على التعقيدات المرتبطة بالمشهد في المنطقة والتي حصرها بتوجهين اثنين:

الأول، الإنخراط في حرب شاملة مع ما ينجم عنها من دمار يطال غالبية دول المنطقة، تخوّل بنتيجتها «الرابح» فرض شروطه على الطاولة.

الثاني، التوصل إلى تسوية تؤجل الصراع، وتحافظ على «حماس» واستمرار المشاكل في غزة، وتخوّل في المقابل إسرائيل الإستمرار في «عربدتها» أي عملياتها العسكرية في غزة والمنطقة وفق توقيتها وحساباتها الخاصة.