جاء في “الراي” الكويتيّة:
… كأنها اللمساتُ الأخيرة على خطة طوارئ تُحاكي «الرسم التشبيهي» لِما بعد بدء الاجتياح البري الإسرائيلي لقطاع غزة، واحتمالاتِ انفتاح الجبهة اللبنانية على أعتى حربٍ متعدّدة الجبهة تقف على مشارفها المنطقة منذ عقود.
هكذا كان لبنان أمس الذي توزَّعت العدساتُ فيه على مساريْن:
– الأول عسكري انطلاقاً من الحدود الجنوبية مع إسرائيل التي وُضعت منذ 7 تشرين الأول، وإن بطريقة «محسوبة» حتى الساعة، على «خط الزلزال» الذي شكّله «طوفان الأقصى»، وسط استمرار عمليات «حزب الله» بوتيرةٍ تحقق «الهدف» – الأوّلي ربما أو لا – بإشغال الجيش الإسرائيلي على مدارالساعة وجذْب قوات النخبة فيه إلى الجبهة الأخطر، بالتوازي مع ردّ الأخير بقصفٍ تتسع رقعته يومياً ولكنه ليس ناسفاً أيضاً لقواعد الاشتباك.
– والثاني توالي الدعوات من دول عربية وغربية لرعاياها لمغادرة لبنان على عجل وعدم التوجه إليه، وتكثيف السلطات الرسمية في بيروت اجتماعاتِ ما بدا أنه «خلايا طوارئ» في محاولةِ لتشكيل «واقي صدمات» يتيح تلقّي عصْف الانفجار الكبير المحتمل بالحدّ الأدنى من إجراءاتٍ تكسر عنصرَ المباغتة.
وعلى وقع «شدّ الأحزمة» في بيروت، لم تكن العيون قادرة على «اللحاق» بكل حركة الطائرات في اتجاه المنطقة، وكان للبنان أمس حصةَ جديدة فيها مع زيارة وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس، ولا ببدء العمل بالجسر الجوي العسكري الذي يغذّي إسرائيل بالمزيد من الأسلحة والعتاد لحربٍ توشك أن تندلع بحالِ لم تنجح الحملات الديبلوماسية التي تَحوّل معها الشرق الأوسط «غرفة عمليات» عالمية في حصْر الصراع الذي تطايرت تشظياته مع «طوفان الأقصى» الذي سرعان ما ملأ البحر المتوسط بحاملات الطائرات والسفن الحربية الأميركية والأوروبية، في سياق معركةٍ متعددة البُعد بتعدُّد أطرافها:
يخوضها الفلسطينيون بوصفْها باتت تدور «على رأس» قضيتهم، والإسرائيليون على أن «وجودَ كيانهم» على المحكّ فيها، و«محور المقاومة» باعتبارها «خطّ حماية» لسائر أطرافه من «دومينو» استهدافاتٍ قد تتلاحق، ودَخَلَ الغربُ على خطّها تحت عنوانٍ معلَن هو الدفاع عن قِيَمٍ انتُهكت في 7 تشرين الأول مما وُسم بـ «داعش غزة» – وهي القِيَم التي تم القفز فوقها كلما ارتكبت تل أبيب جرائم ضد الإنسانية – في حين أن الخلفيات العميقة تتصل بالطابع الجيو – سياسي لصراعٍ مزمن من شأن أي تبديل نوعي يطرأ عليه أن يترك تداعيات استراتيجية متدحرجة.
وفيما كان الميدانُ على حماوته التصاعدية جنوباً، بقي «حزب الله» على غموضه «حمّال الأوجه» حيال ما سيقوم به ما أن يبدأ الاجتياح البري لغزة، هو الذي حرص على ايصال رسائل لكل الأطراف الدولية التي تواصلت معه أو خاطبتْ الحكومة اللبنانية وحذّرت من انخراطه في الحرب بأنه ليس معنياً بطمأنة أحد.
وقد تمدّد هذا الغموض أمس مع موقفيْن بديا متعاكسيْن، أوّلهما للقيادي في حزب الله الشيخ نبيل قاووق الذي أعلن «لا ننتظر دعوات من أحد ولا نخشى تهديدات أحد. المقاومة في لبنان وفلسطين في خندق واحد وعدونا واحد ومصيرنا واحد وسيل الدم واحد، نقوم بواجبنا في المقاومة دون تردد ودون تأخير وبكل شجاعة»، وثانيهما لكتلة نواب الحزب التي أعلنت «أن المقاومة الإسلامية في لبنان لا تستطيع أن تقف مكتوفة إزاء أي اجراء صهيوني يشكل تهديداً أو محاولة خرق للمعادلات التي فرضتها المقاومة خلال تصديها للاعتداءات الصهيونية».
واعتبرت الكتلة «اننا في حزب الله ننصر غزة بأقدس دمائنا، دماء أبنائنا وشبابنا ومجاهدينا، ننصر غزة في الميدان والمواجهات المتواصلة بين مجاهدي المقاومة والعدو الإسرائيلي»، لافتة إلى «أن الإدارة الأميركية تقود اليوم علناً العدوان على غزة، وتحرك حاملات الطائرات والبوارج والأساطيل، وهي المسؤول الأول والأخير عما يجري من مذابح في غزة».
«رسالة بالأحمر»
وعزّز موقف «حزب الله»، الذي أوحى بجهوزية للانغماس في الحرب وفي الوقت نفسه بربْط مثل هذا الأمر بتطورات الميدان على الجبهة اللبنانية وليس في غزة، واقعَ أن لبنان بات في قلب الاحتمالات المفتوحة على الشرّ المستطير المتطاير من وقائع المواجهة بين حماس وإسرائيل، وهو ما أشّرت إليه بوضوح حركة التحذيرات الغربية وكان أبرزها بعد الظهر «رسالة بالأحمر» تحت عنوان «إنذار أمني» أصدرتها السفارة الأميركية في بيروت عبر منصة «أكس» لتذكير رعاياها بالدعوة لمغادرة لبنان ما دامت الرحلات التجارية متاحة وعدم التوجه إليه، وبالخطط الواجب اتباعها لمَن يختار البقاء ليكون جاهزاً لترك الأراضي اللبنانية من دون الاعتماد على الحكومة الأميركية، مع نشْر آلية للتواصل مع الخارجية الأميركية بحال الحاجة إلى مساعدة طارئة.
وسبق ذلك، إعلان السفارة البريطانية تحديث نصيحة السفر إلى لبنان لتصبح «عدم السفر» وتشجيع البريطانيين الذين يعتزمون المغادرة على القيام بذلك الآن ما دامت الخيارات التجارية متاحة، «لأن الوضع لا يمكن التنبؤ به ويمكن أن يتدهور من دون سابق إنذار»، في موازاة دعوة الخارجية الكندية رسمياً مواطنيها الى «تجنب السفر إلى لبنان بسبب تدهور الوضع الأمني والاضطرابات المدنية (…) وفي حال اشتداد النزاع المسلح مع إسرائيل، قد تتأثر الوسائل التجارية لمغادرة البلاد. وقد تكون قدرة الحكومة الكندية على تقديم الخدمات القنصلية أثناء النزاع النشط، بما في ذلك إجلاء المواطنين، محدودةً»، مطالبة رعاياها بـ «ضرورة التفكير في المغادرة، إذا كان بإمكانهم القيام بذلك بأمان».
وفي الإطار نفسه، نصح وزير الخارجية الأسترالي السيناتور بيني وونغ مواطنيه بتجنب السفر الى لبنان، وكتب على منصة «إكس»: «لدى الحكومة الأسترالية مخاوف خطيرة في شأن الوضع الأمني في لبنان، وإذا كنتَ أسترالياً في لبنان، يجب أن تفكر في المغادرة الآن، إذا كان من الآمن القيام بذلك».
وكشفت المصادر الأمنية أن سفارات أجنبية وعربية رفعت من مستوى إجراءاتها، وأجلَت أعداداً إضافية من طواقمها فضلاً عن عائلاتهم.
وفي المقلب السياسي شخصت الأنظار على تحركين:
– الأول ترؤس رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي اجتماعاً موسعاً، سبق جلسة لمجلس الوزراء، ضم وزراء الداخلية، الصحة، الإعلام والبيئة، الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع، ومنسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في لبنان ومسؤولي الهيئات الإنسانية والانمائية والاغاثية التابعة للأمم المتحدة والعاملة في لبنان.
وتم خلال الاجتماع البحث في خطة الطوارئ التي أعدّتها الأمم المتحدة لمواكبة التطورات الراهنة في لبنان خدماتياً وإنسانياً وصحياً واجتماعياً، إضافة إلى دعم البلديات والدفاع المدني في هذه الظروف.
وتقرر أن يُعقد اجتماع تقني اليوم يضم مندوبين عن الوزارات المختصة وهيئات الأمم المتحدة لوضع خطة العمل النهائية.
ولفت أيضاً استقبال ميقاتي وزير الأشغال علي حمية حيث اطلع منه «على الإجراءات والتدابير الاحترازية والخطط التي تضعها الوزارة في المرافئ اللبنانية الأربعة: بيروت، طرابلس، صيدا وصور، كذلك على صعيد المطار والطرق والجسور، وذلك لمواجهة أي ظروف استثنائية تواجه هذه المرافق الحيوية».
كما اجتمع ميقاتي برئيس مجلس إدارة «طيران الشرق الأوسط» محمد الحوت، واطلع منه على الاجراءات والتدابير التي تتخذها الشركة في ضوء ما كان كُشف عن أنها قامت بنقل 5 طائرات تابعة لها إلى مطار اسطنبول كخطوة احترازية، تحسباً لاندلاع صراع.
ويُذكر أنه في مستهل جلسة مجلس الوزراء، أكد ميقاتي «واصلتُ اجراء الاتصالات واللقاءات الديبلوماسية لشرح الموقف اللبناني ومطالبة الدول الصديقة بالضغط لمنع التعديات الإسرائيلية وامتداد النيران الى الداخل اللبناني».
– والثاني الاجتماع الذي عقده وزير الخارجية عبدالله بوحبيب مع السفراء العرب المعتمدين في لبنان حيث حضر سفراء المملكة العربية السعودية، الكويت، الأردن، مصر، المغرب، العراق، سلطنة عمان، الجزائر، اليمن، السودان، فلسطين والقائم بالأعمال في السفارة السورية.
وبعد اللقاء أكد بوحبيب أنه «تم تالتوافق على أهمية وقف فوري لاطلاق النار وإرسال المساعدات، ورفض التهجير والتوطين في بلد آخر، وإنهاء الاحتلال الاسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية هو الحل».