كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
يترقّب لبنان والمنطقة مآل الأوضاع في غزة، إذ تحشد إسرائيل للمواجهة المقبلة، فيما يلفّ الغموض تحرّكات محور الممانعة، وما إذا كان سيفتح الجبهات أو يترك المواجهة لحركة «حماس» وحدها. ولا يحتمل الوضع اللبناني أيّ تصعيد نتيجة الإرباك السياسي والفراغ والأزمة الاقتصادية العاصفة وأزمة النزوح السوري. كما يعاني من خطف قرار السلم والحرب، فإذا قرّر «حزب الله» فتح الجبهات وإشعال الحرب لنجدة «حماس» فسيدخِل محور الممانعة البلاد في حرب ستجلب المزيد من المآسي.
ومثلما تحشد إسرائيل للحرب والولايات المتحدة الأميركية لنجدتها والوقوف إلى جانبها بإرسال حاملة الطائرات والأسلحة وتقديم شتّى أنواع الدعم، هناك دول أوروبية تحشد لمنع انزلاق الوضع في المنطقة، ولا سيّما في الجنوب إلى حرب جديدة.
وأتت زيارة وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس في هذا السياق، فبرلين ترى أنّ انزلاق لبنان إلى حرب سيؤدّي إلى كارثة اقتصادية وأمنية وإنسانية، لذلك لا بدّ من التحرّك سريعاً لوقف تمدّد النار إلى خارج قطاع غزّة، عندها ستكون قوات «اليونيفيل» الألمانية، وغير الألمانية في دائرة الخطر، لكنه أكّد صمودها في الجنوب في هذه المرحلة الحرجة.
دخل الوزير الألماني إلى بيروت، وفي جعبته تحذير من مغبّة تطوّر الوضع، لكنه لا يحمل أي مبادرة لخفض التوتّر بين إسرائيل و»حزب الله»، علماً أنّ برلين أدّت أدواراً في مراحل سابقة في عمليات تبادل الأسرى بين «الحزب» وتل أبيب.
ولا ينطلق الموقف الألماني والأوروبي من خوف على لبنان فحسب، بل من تخوّف كبير ممّا قد يحصل إذا اشتعلت الحرب واستشرست إسرائيل وسقطت آخر معاقل الدولة. منذ اندلاع الحرب السورية في 15 آذار 2011، والزعماء والقادة الأوروبيون يتدفّقون إلى لبنان من أجل هدف واحد وهو الحفاظ على الاستقرار الأمني والسياسي وإبقاء الدولة اللبنانية «واقفة على رجليها»، والسبب هو إكمال وظيفة لبنان في الوقت الحالي كونه شرطياً بحرياً لأوروبا.
وبعد أزمة الرئيس سعد الحريري في 4 تشرين الثاني 2017 في السعودية، إرتبك الوضع السياسي اللبناني، وكاد الانفجار الكبير يقع، يومها خرجت 4 مليارات دولار في فترة قصيرة من مصارف لبنان، لكنّ تدخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ومن بعده المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وقادة أوروبيين جمّد الوضع اللبناني، وتأجّل الانهيار.
ولا يريد الأوروبيون انهيار لبنان، فالأولوية كانت دعمه كونه يستضيف أكبر عدد من النازحين السوريين، فإذا وقع الانهيار فسيتدفّق هؤلاء إلى أوروبا. وساهمت المساعدات الأوروبية في دعم اقتصاد لبنان موقتاً، وسارع الرئيس ماكرون إلى عقد مؤتمر «سيدر» لكي يمنع الانهيار الاقتصادي.
وتواجه البلاد في هذه المرحلة مصيراً وجودياً، فالدولة شبه منهارة، والحرب تطرق الأبواب، وأي اشتباك أو ضرب للبنان سيجعل الفوضى تعمّ ويهتزّ الأمن. وانطلاقاً من ذلك أدار الأوروبيون محرّكاتهم محاولين تجنيب لبنان الحرب، واتّصلوا بتل أبيب و»حزب الله» من أجل التزام التهدئة، تخوّفاً من أنّ الحرب ستجعل مئات آلاف النازحين السوريين يعبرون البحر ليصلوا إلى شواطئ أوروبا، ما سيغرق أوروبا بموجة نزوح جديدة.
ومن أجل ذلك، يتحرّك الفرنسيون والألمان بسرعة للجم أي حرب يمكن حدوثها في لبنان، ففي بداية أزمة النزوح السوري عام 2011 كانت الأوضاع مختلفة تماماً، الوضع الاقتصادي السوري لم يكن سيئاً كما هو اليوم، ولبنان كان منتعشاً اقتصادياً وشكّل متنفّساً للسوريين وسوق عمل كبيرة. أما اليوم فالوضع مختلف تماماً، الليرة السورية منهارة والاحتجاجات عادت لتنطلق من المدن والبلدات السورية رفضاً للغلاء، وفي لبنان الوضع الاقتصادي يتّجه نحو الأسوأ، وإذا وقعت حرب جديدة بين «حزب الله» وإسرائيل وانهارت مؤسسات الدولة بالكامل وفُتح البحر فسيُضاف إلى النازحين السوريين الذين يهربون في البحر قسم لا يستهان به من اللبنانيين الذين ضاقوا ذرعاً بالأوضاع الاقتصادية ويحاولون الهروب من هذا الواقع المزري.
تقوم أوروبا بكل ما عليها من أجل منع اندلاع حرب في الجنوب، لكن الكلمة الفصل تبقى للقوى المتصارعة، أي إسرائيل و»حماس» ومحور الممانعة، إضافة إلى موقف واشنطن التي لن تقف على الحياد وستدعم تل أبيب إذا وقعت المواجهة الكبرى.