كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
يأبى أبناء بلدة حولا الحدودية المغادرة، 40% من سكانها، وفق رئيس بلديتها شكيب قطيش يرفضون المغادرة، فكلفة النزوح باهظة جدّاً، وتحديداً لناحية إيجارات المنازل التي تراوحت بين ألف وألفي دولار، ما دفع بعضهم إلى العودة مجدّداً والصمود فيها.
ما زال «محمود» تحت وقع الصدمة، لم يخطر له أن يُستغل النازحون إلى هذه الدرجة، قصد إحدى قرى النبطية، بحثاً عن مكان آمن. قرّر استئجار منزل، يقول: «بداية طلب صاحب المنزل 400 دولار، وحين عرف أنني نازح من حولا، رفع السعر إلى ألف دولار، فقررت العودة».
«عماد» أيضاً هرب مع عائلته الى بيروت، إستأجر شقّة مفروشة. كانت الصدمة حين طلب منه صاحبها 2500 دولار في الشهر. قال بحزن: «بدلاً من أن يحضنونا لأننا في خطر يستغلوننا إلى أقصى الدرجات. أُفضّل الموت هنا على أن يذلّني ويستغلني ابن بلدي».
يعمل «عماد» كما 250 عائلة من حولا في «توضيب التبغ أو تصفيفه» داخل غرفة مخصصة. تجلس خديجة حسين المرأة الستينية، «تصفّ وتُدَنّك التبغ»، فهي تعتمد على الدخان أو ما يُعرف باللقمة المرّة في تأمين قوتها ومقوّمات حياتها، رافضة فكرة المغادرة. تؤكد أنّها صامدة كشتلة التبغ. قالت: «إعتدنا الحرب، عشنا كل حياتنا تحت أزيز الرصاص والقذائف، لم يتغيّر أي شيء اليوم».
فضّلت خديجة ممارسة حياتها كالمعتاد، تُمضي نهارها بين أوراق التبغ، تستغلّ ساعات الهدوء، مردفة: «لقد اقترب موسم تسليم التبغ لشركة «الريجي»، وهو مصدر عيشنا الوحيد. لا نريد خسارته، فلن يعوّض علينا أحد».
كلّ من بقي في حولا يعمل في أرضه، هناك من يقطف الزيتون، ومن يزرع، وبعض النسوة يحضّرن الخبز. تبدو الحياة شبه طبيعية رغم القلق والخوف، وحين تسأل مريم مصطفى عن سبب صمودها تُجيب: «ما معي إدفع ألف دولار ثمن إيجار شقة، أفضّل البقاء وأرفض التخلي عن أرضي».
من جهته، شدّد رئيس البلدية شكيب قطيش على «صمود الأهالي، فهم اعتادوا الحروب وأهوالها». أكثر ما يؤلمه هو «إستغلال الناس للنازحين، فالأسعار خيالية. هل يُعقل أن يصل الإيجار إلى أكثر من ألف دولار؟ أين الضمير؟». ولفت إلى أنّ «الناس يواجهون عدوّين: الأول خارجي يتمثل بإسرائيل، والثاني داخلي يتمثّل بسماسرة ومستغلّي الحروب، فهؤلاء هم أكثر خطراً وفتكاً بالناس من أي عدوان خارجيّ».
وقال: «بدل أن يلتفّ الناس حول بعضهم البعض ويتعاضدون في مواجهة هذه الظروف، نجدهم يقتنصون الفرص لتحقيق أرباح خيالية. من يضع حدّاً لهذا الجشع؟». يواجه الأهالي حالة التوتر بالمضي نحو أعمالهم البسيطة في الحقول القريبة، وهو ما يؤكده قطيش خاتماً: «الناس صامدة لأنها اعتادت مواجهة الأزمات، وترفض أن تتعرض للذلّ من أبناء بلدهم».