كتبت راكيل عتيّق في “نداء الوطن”:
لا إشارة في الأفق إلى إمكانية إنجاز الانتخابات الرئاسية قريباً، في وقتٍ تتركز الجهود السياسية والديبلوماسية على الحؤول دون دخول لبنان في حرب واسعة مع إسرائيل ربطاً بالعملية العسكرية الاسرائيلية في قطاع غزة رداً على «طوفان الأقصى». الفراغ الرئاسي المُتوقّع أن يُمدّد لأشهر يُعمّق الأزمات في البلد، وإذا لم يجرِ انتخاب رئيس للجمهورية قبل كانون الثاني المقبل، تاريخ انتهاء ولاية قائد الجيش العماد جوزاف عون مع إحالته إلى التقاعد، سيُطاول الفراغ قيادة المؤسسة العسكرية، في حال لم يتمّ التوصل إلى اتفاق سياسي واسع على أن تعيّن حكومة تصريف الأعمال قائداً جديداً للجيش أو تمدّد ولاية عون أو يُتفق على فتوى لملْء هذا الفراغ.
إلى هذا التهديد، يواجه الجيش ضغوطات كبرى تُضاف إلى المشكلات التي يواجهها منذ سنوات تبعاً للأزمة المالية – الاقتصادية وتحميل المؤسسة العسكرية غالبية المسؤوليات الكبرى. بجهود قائد الجيش والمساعدات الخارجية تمكّنت المؤسسة العسكرية من الصمود منذ عام 2019، وتخطّت مطبات كبيرة. وتُلقى في هذه المرحلة مهمات جسيمة على الجيش، من الحدود الشمالية حيث تقع على عاتق العسكريين مهمة ضبط هذه الحدود ومنع تسلّل النازحين السوريين إلى لبنان، علماً أنّ الأرقام تظهر أنّ أعداد الذين يحاولون الدخول يومياً عبر المعابر غير الشرعية لا تنخفض، إلى الحدود الجنوبية حيث يشدّد الجيش إجراءاته في ضوء الاستهدافات الاسرائيلية، وما بينهما مهمات أمنية عدة أبرزها الإجراءات التي يتخذها الجيش في أماكن تواجد المخيمات الفلسطينية، وحمايته للتظاهرات وللأملاك الخاصة والعامة في الوقت نفسه، كما حصل في عوكر أخيراً قرب السفارة الأميركية، إضافةً إلى دهم مخيمات النازحين السوريين وضبط الأسلحة وترحيل المخالفين، فضلاً عن التدخل في الإشكالات بين لبنانيين وسوريين، عدا عن مهمات الجيش المعتادة.
وسط هذه الضغوطات، وغياب أي بادرة حلّ من الدولة لرواتب العسكريين، وعلى رغم «رمزية» الـ100 دولار التي يتقاضاها كلّ ضابط أو عسكري في الجيش سواء من المساعدة المالية الأميركية أو القطرية، سيتأثر العسكريون الذين لا تتخطّى رواتبهم بضعة ملايين ليرة لبنانية، إذا توقفت هذه المساعدة الشهرية بالدولار. وسيتلقى العسكريون الدفعة المالية الأميركية الأخيرة في تشرين الثاني المقبل، على أن يُستأنف دفع المساعدة المالية القطرية البالغة 100 دولار لكلّ عنصر أيضاً، حتى آذار المقبل، وبعدها «إلى المجهول». فلا اتفاقات حتى الآن لتجديد المبالغ المالية الممنوحة للمؤسسة العسكرية، لا من واشنطن ولا من الدوحة.
وكانت وزارة الخارجية القطرية أعلنت في حزيران 2022، دعماً مالياً بقيمة 60 مليون دولار للجيش اللبناني. وفي آب 2022، أعلن الجيش، تسلّم الدفعة الأولى من الهبة المالية التي قدّمها أمير قطر لدعم رواتب العناصر، وبدأ الجيش بتوزيعها بالتساوي على جميع العسكريين. وبعدما تجاوزت الولايات المتحدة الأميركية العوائق القانونية التي تحظّر دفع مساعدات مالية مباشرة إلى جيش أجنبي، وتمكّنت من إيجاد مخرج لذلك عبر قرار من الكونغرس، أعلنت في 25 كانون الثاني الماضي مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، إطلاق برنامج دعم عناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي بقيمة 72 مليون دولار على مدى ستّة أشهر، ويتضمّن دفع مبلغ بقيمة 100 دولار شهرياً لكلّ عسكري.
ومع بدء توزيع الدفعات المالية الأميركية للعسكريين توقفت الـ100 دولار من قطر، علماً أنّها مُقرّرة لسنة. وبالتالي، مع انتهاء الدفعات المالية الأميركية الشهر المقبل، ستُستكمل الدفعات القطرية التي تنتهي في آذار المقبل.
لكن توقُّف دفع الـ100 دولار للعسكريين شهرياً لا يعني سحب الدعم الخارجي للجيش. وتؤكد مصادر مطّلعة أنّ البرامج الأميركية السنوية لتسليح الجيش مستمرّة، فضلاً عن استمرار تقديم مساعدات مختلفة للجيش من دول عدة، ومنها أخيراً على سبيل المثال، إعلان قائد القوات المسلحة الألمانية الجنرال كارستن بروير، خلال زيارته قائد الجيش، تقديم مساعدات إلى الجيش اللبناني تشمل كمية من الوقود بقيمة مليون يورو وكمية من المواد الطبية بقيمة مليون يورو. كذلك يؤكد زوار قائد الجيش الدعم المستمرّ للمؤسسة العسكرية، ومنهم أخيراً، وفد من مساعدي أعضاء الكونغرس الأميركي زار قائد الجيش أمس واطّلع منه على حاجات المؤسسات وسبُل دعمها.
كذلك تسلّم الجيش الدفعة الأولى من هبة الوقود من «صندوق قطر للتنمية» لمدة 6 أشهر بقيمة 30 مليون دولار، ضمن اتفاق جرى نهاية آب الماضي، على أن تصل الدفعات المتبقية في الأشهر المقبلة. وأتى هذا الاتفاق مع رفع قائد الجيش الصوت وطلبه من الخارج مساعدات لتأمين الوقود للآليات العسكرية والذي يشكّل الحاجة الأكبر للجيش. وكان قائد الجيش طرح هذا الموضوع خلال زيارته الدوحة أواخر عام 2022، حين رُبطت الزيارة آنذاك بالملف الرئاسي نظراً إلى أنّ العماد عون من أبرز الأسماء المرشحة للرئاسة ويُنقل أنّه المرشح المفضل لدى القطريين.