كتب جان الفغالي في “نداء الوطن”:
لم يكن للبنان مقعدٌ بين مقاعد الدول الإحدى والثلاثين التي اجتمعت في قمة السلام في القاهرة، فغاب لأنه غُيِّب، أي أنه لم يُدعَ، أما لماذا؟ فلأن الداعين إلى المؤتمر قرأوا منذ أسبوع موقفاً لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي قال فيه إنّ لبنان لا يملك قرار السِلم والحرب. وتأسيساً على هذا الموقف، لماذا يُرهِق الداعون أنفسهم بدعوةِ لبنان حين يكون موقفه محسوباً على دول الممانعة؟
بالأمس كان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في بيروت، ويعلِن أنّ قرار الدخول في الحرب هو في يدِ «حزب الله»، أي أنّ رئيس الديبلوماسية الإيرانية قفز فوق الديبلوماسية اللبنانية وفوق السيادة اللبنانية، وبالتأكيد فإنّ ما قاله في بيروت تردد صداه في القاهرة وفي سائر العواصم العربية ولا سيما الخليجية منها، فكانت ردة الفعل العفوية: لماذا نستمع إلى موقف لبنان، طالما وزير الخارجية الإيراني عبَّر عن هذا الموقف؟
لم يعد حدثاً ديبلوماسياً أن تكون الديبلوماسية اللبنانية تابعة، كان يحصل ذلك طوال فترة الوصاية السورية ولا سيما منذ العام 1990، وحتى قبل ذلك، ولو بنسبةٍ أقل، من عبد الحليم خدام إلى فاروق الشرع إلى وليد المعلِّم، وكان وزراء الخارجية اللبنانيين ينتفضون، في الحد الأقصى، ويتململون، في الحد الأدنى، على هذه الوصاية، يروي ذلك في مذكراته وزير الخارجية الراحل فؤاد بطرس، وكشف عن بعض ملابسات الوصاية، وزير الخارجية في عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي، فارس بويز.
حالياً، تسلمت إيران «مشعل» الوصاية من سوريا، فحلَّ عبد اللهيان محل وزير الخارجية السوري، وصارت كلمة السر الديبلوماسية تصدر من طهران بدل دمشق، كل هذا الخط الديبلوماسي المتعرِّج تراقبه عواصم القرار في المنطقة، فكان القرار باستبعاد لبنان عن أي قمة، باعتبار أن الموقف اللبناني تعبِّر عنه إيران، وهو البلد الذي تتباهى إيران بأنه واقعٌ ضمن نفوذها، بالإضافة إلى العراق واليمن وسوريا وغزة.
المفارقة الكبرى أنّ لبنان هو المعنيّ الثاني في هذه الحرب، بعد غزة، باعتبار أنّ جبهته الجنوبية هي وحدها المفتوحة بعد جبهة غزة، ومع ذلك يُستبعَد البلد المعني مباشرةً بهذه الحرب عن أي مؤتمر أو قمة.
آخر الحروب العربية – الاسرائيلية كانت في تشرين الأول عام 1973، أي منذ نصف قرن. بعد ذلك التاريخ لم تندلع أي حرب مع اسرائيل إلا مع لبنان: من اجتياح 1978 إلى اجتياح 1982 إلى 1996 إلى حرب تموز 2006. في تلك الحروب الآنفة الذِكر، لم يكن قرار الحرب بيد الدولة اللبنانية. في اجتياح 1978، كانت المواجهة مع منظمة التحرير الفلسطينية، وكذلك الأمر في اجتياح 1982 الذي أخرج منظمة التحرير من لبنان. بعد ذلك التاريخ انتقل قرار السِلم والحرب إلى إيران من خلال «حزب الله»، وكان «تلطيف» هذا القرار من خلال معادلة «الشعب والجيش والمقاومة» الذي لم يكن يعني سوى الضلع الأخير من هذه الثلاثية، أي المقاومة، وهو «الأسم الحركي» لإيران في لبنان.
اليوم يتعاطى العالم مع لبنان على أنه «منطقة نفوذ إيرانية»، ولبنان لم ينفِ هذه «التهمة»، بل ثبَّتها على لسان الرئيس نجيب ميقاتي. لذا مَن يريد أن يعرف ما إذا كانت الحرب ستندلع في لبنان، ما عليه سوى توجيه السؤال إلى إيران، أما الأجوبة الأخرى فليست سوى « كلام عرَّافين».