كتب ناصر زيدان في صحيفة الأنباء:
قد تنفجر الحرب على نطاق واسع في لبنان، وقد تبقى لعبة المناوشات الصاروخية المحدودة على حالها في الجنوب، لكن ذلك لا يغير كثيرا من صورة المشهد السياسي المؤلم الذي يعيشه البلد الجريح. وإذا كانت مقومات الصمود والمواجهة عند المواطن اللبناني لا تنكسر أمام العواصف العاتية، إلا أن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أن الأرضية مهيأة لمواكبة تداعيات عدوان واسع قد ترتكبه إسرائيل في أي لحظة، كما لا يعني أن تهميش الدولة ومكانة لبنان داخليا وخارجيا مسألة عادية ليس من الضروري التوقف عندها.
وسط هذا الانشداد غير المسبوق عند المواطنين الخائفين من هول ما قد يحدث، تعيش البلاد بين الركام السياسي المتناثر، وساهمت في توسيع رقعة انتشار الأزمة التحذيرات العربية والدولية، والدعوات التي اطلقت من كل حدب وصوب للرعايا وللديبلوماسيين لمغادرة لبنان، وقد تبين أن جزءا كبيرا من هذه التحذيرات استند الى معلومات تشير الى عدم قدرة الحكومة اللبنانية وأجهزتها العسكرية والأمنية على حماية هؤلاء، بما فيهم قوات اليونيفيل في الجنوب، وأن الحكومة غير مهيأة لتوفير ظروف مناسبة لمواجهة الأخطار، نظرا للهشاشة السياسية التي تعيشها الدولة ومؤسساتها الدستورية، بدءا بالفراغ في موقع رئاسة الجمهورية وصولا الى الخلل الإداري الذي قد يواجه الجيش من جراء عدم وجود مجلس عسكري ولا رئيس للأركان يمكن أن يحل مكان قائد الجيش الذي سيتقاعد بعد شهرين ولم يتم التمديد له أو تعيين بديل عنه.
ومع هذه الأوضاع البالغة الصعوبة، تطرح أسئلة مشروعة لدى القوى السياسية وعند غالبية المسؤولين الحكوميين الذين يصرفون أعمال الدولة. ومن هذه الاسئلة: لماذا لا يضع حزب الله هذه الأطراف في أجواء ما يحصل؟ وما هي خطة الحزب المستقبلية في مواجهة التطورات؟ وهل لدى الحزب قرار بخوض حرب في الجنوب بالتوقيت الذي يتناسب مع تطورات الوضع في غزة؟ أم أن عملياته العسكرية مقتصرة على حق الرد على الاعتداءات والحزب ليس بوارد فتح الجبهة على مصراعيها في الجنوب؟
يرتبك قادة الدولة ومسؤولوها عند سؤالهم من قبل الجهات الدولية عن رؤيتهم لما يجري في الجنوب، ومعظم هؤلاء ليس لديهم أي فكرة، او معطيات عما يمكن أن يحصل، برغم أن التحذيرات تصل إليهم عن خطورة الوضع. ويبدو أن ضغطا دوليا يمارس على لبنان لعدم فتح جبهة الجنوب، وغالبية الضغط يهدف الى تخفيف العبء عن إسرائيل لكي تتفرغ لعدوانها على الفلسطينيين في غزة، وبعضه يهدف الى تجنيب لبنان الغرق المحتم.
لم يقدم قادة المقاومة على التواصل مع المراجع الحكومية ـ خصوصا مع رئيس حكومة تصريف الأعمال ـ لكي يعرف هؤلاء بما تفكر به المقاومة وحلفاؤها؟ والكثير من القوى السياسية التي لا تتفق مع نهج الممانعة تقف اليوم خلف المقاومة، ولا تسمح لنفسها بكشف ظهرانيتها أمام العدو، وبعض هذه القوى أبدى استعدادا للمساهمة في أعباء المواجهة، وهؤلاء يعتبون على قادة المقاومة لعدم اشراكهم بأي نقاش فيما يحصل، بينما يعيش اللبنانيون سواسية مخاطر الكارثة، وحركة البلد شبه معطلة من جراء ما يجري.
لم تقدم القوى السياسية ـ ولاسيما فريق الممانعة ـ على أي خطوة تنازلية تفرضها خطورة الوضع. وفي الحد الأدنى كان يفترض بهؤلاء التداعي الفوري لانتخاب رئيس للجمهورية وتعيين أشخاص في المواقع القيادية الأساسية، لاسيما منها العسكرية والأمنية. وتوليفة المواجهة تقتضي بالدرجة الأولى تحصين الساحة الداخلية، وهو ما لم يحصل حتى الآن. وليس صحيحا أن المسؤولية عن ذلك تقع على الجميع، بل على العكس، فهناك قوى تتحمل أكثر من غيرها، لاسيما منها التي تتحكم بقرار الحرب والسلم، ولديها قدرة واضحة على تأمين نصاب انعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية.