IMLebanon

أي خطأ في الحساب

كتب سعيد غريّب في “نداء الوطن”:

مشاكل لبنان الداخلية صغرت، أو هكذا يُراد لها أن تكون، أمام هول التطورات التي تجتاح المنطقة وترمي ظلالها أجواء من القلق الشديد والتساؤلات الصعبة حول الغد الآتي. فهل نحن أمام المعركة الأخيرة، معركة المصير، أي مصير فلسطين ومصير لبنان وسوريا والعراق والدول المحيطة؟

لطالما مرّ لبنان في الماضي القريب والبعيد، بظروف معقّدة وقاسية، وبقي كيانه صامداً بفضل اثنتين: العناية الإلهية وقدرة شعبه على تجاوز الصعاب. وها هو اليوم يُمتحن من جديد في قدرته على مواجهة العواصف واستيعاب التحديات. فترى القلق على المصير الذي يلازم اللبنانيين، منذ زمن بعيد، يشتدّ عوده أكثر فأكثر، مثقلاً بالتراكمات الداخلية التي تنعكس في الخطابات السياسية والسبل المعتمدة في مجابهة اجواء العواصف الزاحفة.

وفي هذا الوقت الحرج، الذي يحتّم صمود لبنان السياسي لأنّه أفضل منقذ للبنان الغد، يغرق المواطن في سيل من التوقّعات والتحليلات والخطابات الرنانة والشائعات الواردة من كل حدب وصوب. وفي حين أنّ الوضع العام في لبنان لم يعد يحتمل هذا الضخّ الكبير من هذه السيول، يبرز منها الكلام العابث والمدمّر والخالي من الإفادة والراجح نحو الرخص في التعبير أحياناً كثيرة. وكأنّ الهمّ التاريخي الذي نحمله لم يكن ينقصه سوى نبش الماضي وضخّ السموم على أنواعها، وكأنّ خطابات التخوين والعمالة، وتراكم الأحقاد، وتراكم الابتزاز، وتراكم الارث والموروثات، وتراكم تدخّل الخارج وتداخله مع الداخل، ثوابت قاتلة من عدّة التدمير الذاتي المتجددة.

أما عن الشائعات فحدّث ولا حرج. فالمواطن يمرّ اليوم، وأكثر من أيّ يوم مضى، بهستيريا الشائعات ونوباتها المتلاحقة، مع ما تحمله من آثار نفسيّة وحسيّة بالغة الخطورة، تصل قدرتها حتى القضاء على مجتمعات بكاملها، كونها قادرة على أن تجعل من الصواب خطأ ومن الخطأ صواباً، ولا سيما في ظلّ رعاية جهات قادرة ومخططة وبانتشارها أو سيطرتها على عقول البشر، قد تغيّر في السلوكيات المجتمعية والمواقف بالنسبة إلى المجموعات والأفراد على حد سواء، علماً أنّه من الصعب ابطالها عموماً نظراً لسرعة تفشيها وتغلغلها. وفي حين أنّ الناس تريد الحقائق وتتعطش إليها تراها ترضخ من دون الوصول إليها، فتتقبل الشائعة وتتصرف على أساسها. تساندها بقوة في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي على اختلافها ومصادرها الداخلية والخارجية، هذا اذا لم نقل مصادرها الداخلية وامتداداتها الخارجية.

وبعيداً من هذه الجو المحلي الضاغط، واذا أردنا قراءة هادئة للوقائع من خلال مقاربة تقييمية لما تبدو عليه الصورة حالياً على مستوى المنطقة والانعكاسات المحتملة على لبنان، فيمكننا الاستنتاج أنّ توازن الرعب ما زال قائماً حتى الآن وهو سيد الموقف. فالقضية الفلسطينية أعطتها دماء أبنائها قوة فائقة، فأنشأت تصدعات داخل المجتمعات الغربية بفضل مهندس واحد يتقن لعبة الشطرنج وقادر على ادارة اللعبة الجارية بأرواح الشعوب وأقدارهم. فما هي النتائج المحصودة حتى الآن؟

لقد نجحت ايران من خلال «طوفان الاقصى» في وقف التواصل الخليجي الاسرائيلي في حين انكسرت صورة «العملاق الاسرائيلي». أما على المستوى اللبناني فقد غرق الغاز بالطوفان، فيما المشكلات المتراكمة منذ العام 2019، وفي مقدمّها انفجار المرفأ طواها النسيان. وأمام الاستحقاق الحالي، يواجه لبنان، بدولته وشعبه، هذه التطورات الضاغطة، من دون أيّ استباق جديّ لانعكاساتها، وبخفّة واضحة يعكسها استمرار الصراعات، على مستوى انتظام المؤسسات الدستورية وفاعلية عمل ما تبقى منها.

ففيما البلاد تفرغ من أبنائها هرباً من الأزمات السياسية والاقتصادية، وفيما كبار السياسيين وغيرهم أرسلوا أولادهم إلى أوروبا وجهّزوا اليخوت كتدبير على المدى المتوسط، والفيلات في الجبال على المدى القريب، يتلهّى لاعبونا السياسيون بالتناحر غير المجدي متسلّحين بأحدث سلاح، الا وهو وسائل التواصل الاجتماعي. فلا اكتراث للانتخابات الرئاسية التي تمّ تخطي استحقاقها وكأنّ شيئاً لم يكن، ولا لجلسات مجلس الوزراء الا من باب المحاصصة.

أما خطة الطوارئ فماذا تتضمن؟ المواطن العادي يتموّن ويخزّن منزله ويملأ سيارته بالوقود، ويضع في صندوقها حقيبة للانتقال عند الضرورة. هكذا نحن نواجه وأملنا أنّ الحرب الدائرة اليوم، حسب القراءات الاقليمية والدولية، لن تبلغ ذروتها على الاقل الآن، لأن الرادع هو توازن الرعب. وأي خطأ في الحساب قد يحوّل الحرب المدروسة إلى حرب غير مدروسة وغير معروفة النتائج.