كتب يوسف دياب في “الشرق الأوسط”:
لم تستكمل بعد الدول العربية والغربية مهمّة إجلاء رعاياها من لبنان تحسباً لحرب قد تقع في أي لحظة بين إسرائيل و«حزب الله»، في ظلّ السخونة المتزايدة للجبهة الجنوبية، وسقوط مزيد من الخسائر في الأرواح على الجانبين، وتسعى هذه الدول لتجنّب تجربة عام 2006، حين اندلعت الحرب فجأة وتم إقفال مطار بيروت الدولي جرَّاء استهدافه بالطيران الإسرائيلي وفرض حصار جوّي وبرّي وبحري على لبنان، مما صعّب على سفارات الدول الكبرى بما فيها السفارة الأميركية مهمّة إخراج مواطنيها العالقين في لبنان.
أمام السباق القائم بين احتواء التوتّر واستمرار العمليات العسكرية على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، يبقى قلق الدول قائماً حيال مصير مواطنيها المقيمين على الأراضي اللبنانية، غير أن سفير لبنان الأسبق في واشنطن رياض طبارة، وضع عملية إجلاء الرعايا الأجانب في سياق «الإجراءات الوقائية». وأوضح أن «مثل هذا التدبير تلجأ إليه الدول عند كلّ أزمة أو مؤشرات حرب، وهذا ما اعتمدته الأمم المتحدة ودول أجنبية في محطات متعددة خلال سنوات الحرب الأهلية، حفاظاً على أرواح مواطنيها». وقال طبّارة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «لا أحد يملك معطيات ومعلومات حاسمة حول إمكانية اندلاع حرب بين إسرائيل و(حزب الله)، بما فيهم الأميركيون، بدليل أن الإدارة الأميركية ما زالت توجّه رسائل تحذير لإيران من الدخول في حرب لأن ذلك سيفرض تدخلها المباشر، بدليل وجود حاملات الطائرات والبوارج الحربية الأميركية إلى المنطقة، بالإضافة إلى طمأنة إسرائيل بأنها لن تبقى وحيدة إذا دخلت أطراف أخرى على خطّ ما يجري في غزّة».
بموازاة عمليات الإجلاء وإمكانية تدهور الأوضاع قبل إتمام هذه المهمّة، لجأت سفارات الدول الأجنبية إلى الطلب من رعاياها الابتعاد عن مناطق التوتر، وإعلامها بعناوين إقاماتهم، ووضعت أرقام هاتف بتصرفهم للاتصال بها عند الضرورة، وعدَّ الخبير في الشؤون الجيوسياسية زياد الصائغ، «قرار بعض الدول بإجلاء رعاياها مؤشراً على مسار وقائي، إذ ليست هناك معلومة واضحة عن كيفية اتخاذ قرار بتوسيع رقعة الصراع، سواء من الجانب الإسرائيلي أو من الجانب الإيراني، في غياب كامل للدولة اللبنانية، التي تحوّلت إلى جهاز إداري في خدمة أجندة غير لبنانية». وعبَّر الصائغ في تصريح لـ«الشرق الأوسط» عن أسفه، لأن «قرار إجلاء الرعايا الأجانب يلقي بتبعاته على صدقية الدولة اللبنانية في كيفية اتخاذها قراراً سيادياً، واحترامها الدستور اللبناني والقرارات الدولية وبمقدمها القرار 1701». وقال إن «انفلات المواجهة على الجبهة الجنوبية يؤشر عملياً على أن أي قرار بالمواجهة أكان محدوداً أو موسعاً هو قرار غير لبناني»، لافتاً إلى أن «دعوة الدول بما فيها دول الخليج والمملكة العربية السعودية رعاياها لمغادرة لبنان تندرج في إطار الإجراءات الوقائية، لأن الدبلوماسية اللبنانية أثبتت غيابها الكامل ليس فقط بعدم تحمل مسؤولياتها، بل في تبنيها سرديّة لا علاقة لها بأمن لبنان ولا بأمن شعبه».
ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن مسؤولين أميركيين أن إدارة الرئيس جو بايدن «تخطط بشكل طارئ لتنفيذ خطط إجلاء مئات الآلاف من المواطنين الأميركيين، من الشرق الأوسط، في حال تطورت تهديدات إيران باتجاه القيام بعمل عسكري أوسع ضد قواتها». ووفقاً لتقديرات الخارجية الأميركية، فإن «هناك 600 ألف أميركي في إسرائيل و86 ألفاً في لبنان (يحملون جنسيات مزدوجة)». وعبَّر مسؤول أميركي بحسب الصحيفة عن قلقه البالغ «بشأن الجبهة الشمالية». وقال: «لقد أصبحت هذه مشكلة حقيقية، إن الإدارة (الأميركية) قلقة جداً من أن يخرج هذا الأمر عن نطاق السيطرة».
القلق الأميركي المرتفع لا يعني أن الحرب واقعة حتماً، برأي السفير رياض طبّارة، الذي أكد أن «الدول دائماً ما تلجأ إلى خطوات استباقية للحفاظ على حياة مواطنيها حتى لا تربك أو تفاجأ إذا وقعت الحرب بشكل مفاجئ»، لافتاً إلى أن «كلّ مصالح الدول الفاعلة تتضرر في حال نشبت الحرب، لذلك لا بدّ من اعتماد هذا الأسلوب حتى لا تقع الدول في الإرباك، لكنّ الجهد الدولي قائم الآن على تفعيل العمل السياسي والسعي إلى تخفيف حدّة التصعيد في المنطقة».
ولا يخفي الخبير في الشؤون الجيوسياسية زياد الصائغ أن الدول «تخشى تكرار ما حصل معها في عام 2006، فهذه مسألة دقيقة، خصوصاً أن الاتساع المفاجئ الذي قد يحدث لرقعة الصراع، لا يمكن أن يأخذ بالحسبان لا آلة التدمير الإسرائيلية، ولا طبيعة الردّ الذي سيعتمده القرار الإيراني الذي لا يأخذ بالاعتبار مصالح الشعب اللبناني ولا علاقاته الإقليمية والدولية». وإذ شدد على أن «لبنان ما زال ملتزماً بثوابته التاريخية الداعمة للقضية الفلسطينية، وحلّ الدولتين وحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره وقيام دولته وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين»، عزا الصائغ تسابق الدول لإجلاء رعاياها إلى «افتقاد الدولة اللبنانية لأي صدقية من خلال تعاطيها الهشّ مع المجتمع الدولي والعالم العربي».