كتبت جوانا فرحات في “المركزية”:
لم ينتظر جورج، إبن بلدة علما الشعب، أن يسقط صاروخ على خراج بلدته أو أن يزرع الجيش الإسرائيلي بصواريخه الفوسفورية سماء البلدة المتاخمة للحدود مع إسرائيل رداً على عملية تسلل عناصر من حزب الله إلى داخل الأراضي الإسرائيلية . وليس وحده. فإبن بلدة دبل الياس، لم ينتظر بدوره أن يصبح شهيدا أو مشروع شهيد مع عائلته المؤلفة من خمسة أفراد فكان القرار بالنزوح عن البلدة كما غالبية أهالي قريته وقرى أخرى ومنها علما الشعب وعين ابل ورميش.
حكاية النزوح مع أهالي الشريط الحدودي باتت من خبزهم اليومي منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول الجاري. ثلاثة أسابيع والأهالي ينتظرون أن يسمعوا مسؤولا في الدولة يسأل عن أحوالهم، كيف يعيشون وهل يملكون ما يكفي لسد جوع الأطفال وتأمين الحليب للرضع منهم؟ وهل يوجد ما يكفي من مواد غذائية وماء ومازوت وأدوية وطحين للعائلات وتحديدا المسنين؟
“صامدون وسنبقى في أرضنا مهما كبرت المصائب واشتد القصف، يقول رئيس بلدية رميش ميلاد العلم ويضيف” يخطئ من يذهب في تفكيره إلى أننا سنترك أرضنا وبيوتنا ليحتلها “غرباء” أو يستوطنها نازحون. صحيح أن هناك حركة نزوح جزئية شملت أطفالا وطلاب مدارس وجامعات ومسنين مع أهاليهم إلا أن لا يزال هناك حوالى 600 مواطن من أصل 10 آلاف من مجموع سكان بلدة رميش، ونعمل معا على تأمين الحراسة والتصدي لكل عملية نزوح عكسي. كما يتولى عناصر شرطة البلدية تفقد المنازل التي يوجد فيها نازحون سوريون للتأكد من عدم وجود نازحين جدد قد يكونون دخلوا هربا من مناطق حدودية بسبب كثافة القصف”.
قرار أبناء القرى المسيحية المنتشرة على طول الشريط الحدودي بالبقاء والصمود، حتى لو طالت مدة هذه الحرب غير قابل للمساومة ولا يخضع لأية تنازلات. “صامدون وسندافع عن وجودنا باللحم الحي. لكن هل تدرك الدولة وحكومة تصريف الأعمال التي وصل رئيسها نجيب ميقاتي إلى الناقورة على متن طوافة عسكرية من دون أن تطأ قدماه أي من قرى الشريط الحدودي؟ هل يدركون أو هل سمعوا ببلدة رميش أو بقرى علما الشعب ودبل وعين ابل؟ هم يطلبون منا أن نصمد، لكن كيف وما هي مقومات الصمود؟ كيف نواجه ترسانة جيش ونتصدى للمدافع والدبابات؟”.
وبكثير من الخيبة والغضب يسأل أهالي بلدة رميش الصامدين في بيوتهم عبر رئيس البلدية عن أسباب غياب الدولة “صحيح أننا تمكنا من تأمين كل المستلزمات الغذائية من مأكل وطحين وأدوية مع بداية شرارة الحرب، لكنّ كلامنا بعد انتهاء هذه الحرب لن يكون كما قبلها”.
عدم إدراج رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي زيارة بلدات وقرى الشريط الحدودي على جدول جولته “الفضائية” إلى الناقورة زادت من منسوب غضب أهالي رميش والقرى المسيحية المجاورة ويسأل العلم:” لماذا هذا التغاضي والإهمال بحقنا؟ هل يعلم ميقاتي أن لا توجد لدينا ملاجئ وبأننا ندافع عن كل شبر من تراب هذا الوطن باللحم الحي ولا نسمح بدخول العدو إليها؟ أين الكنيسة من صرخات أبناء رعيتها؟ أين رجال الدين والإكليروس والبطريرك الراعي؟ أين الجمعيات التي تنادي بحقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر فقط بالمساعدات للنازحين السوريين وترفض المجيء مع وزير الشؤون الإجتماعية عندما زار رميش ؟ هل مسألة حقوق الإنسان محصورة فقط بتلامذة النازحين السوريين ولا يهمها مصير 1500 تلميذ من أبناء رميش إذا بقوا خارج المدرسة بسبب الحرب المشتعلة في غزة؟”.
كثيرة هي الأسئلة. إلا أن الأجوبة ستبقى معلقة في انتظار اللحظة التي يسكت فيها صوت المدفع وترتفع راية السلام. لكن الكلام عندها سيكون مختلفا . ” فليعلم كل مسؤول في الدولة أن أبناء رميش لن يشاركوا في أي استحقاق انتخابي وسنواصل العمل على ترسيخ اللامركزية سواء في مسألة الخدمات التي كنا بدأنا العمل عليها من خلال شبكة الماء والطاقة البديلة وسواها من الخدمات أو على مستوى التعليم والطبابة والإستشفاء. والكلام نفسه يسري على رؤساء الأحزاب الذين يطرقون أبوابنا في المواسم الإنتخابية ويتخلون عنا مع إقفال صناديق الإقتراع. غدا بعد الحرب كلام آخر والمهم أن تنتهي. بعدها لكل حادث حديث ومن نوع آخر “يختم العلم.