IMLebanon

البوارج الأميركية قرب شواطئ لبنان… للردع أو للتدخّل؟

كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:

تكثر التحليلات والسيناريوات العسكرية على الساحة اللبنانية، ولا أحد يعرف كيف سيتطوّر الوضع، حتى الموجودون على الجبهات. ويرتبط القرار العسكري مباشرةً بالأوضاع السياسية، والجميع يترقب ما إذا كانت إسرائيل أو إيران ستفتحان جبهة الجنوب اللبناني وسط الحديث عن تحرّك عسكري أميركي قد يطال الأراضي اللبنانية.

شكّل العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 نهاية النفوذ البريطاني والفرنسي في المنطقة ودخول منطقة الشرق الأوسط مرحلة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي، واختارت الجمهورية اللبنانية برئاسة الرئيس كميل شمعون آنذاك التحالف مع الغرب ومع «حلف بغداد» المناوئ للشيوعية. فحدثت ثورة 1958 المدعومة من الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وكانت مناسبة لنزول «المارينز» على شواطئ لبنان، لكنها لم تمنع إندلاع أزمات سياسية وأمنية، واستقرت الأوضاع نسبياً خلال عهدي الرئيسين فؤاد شهاب وشارل حلو، حتى تعود فتنفجر في 13 نيسان 1975 بين قسم من اللبنانيين والفلسطينيين والحلفاء اللبنانيين.

وأتى إنفجار مقرّ «المارينز» الذين دخلوا لبنان عقب الإجتياح الإسرائيلي عام 1982، ثم تفجير السفارة الأميركية في بيروت في 23 تشرين الأول 1983، ليشكّلا خروجاً أميركياً من المشهد العسكري على رغم مجيء بارجة نيوجرسي عام 1984 وقصفها مواقع سوريّة في لبنان، إضافة إلى مواقع تابعة لحلفاء دمشق، لكن شهدت تلك المرحلة تراجعاً للنفوذ الأميركي في لبنان.

إنتهت الحرب اللبنانية عام 1990 بعد توقيع «إتفاق الطائف» عام 1989، وسلّمت واشنطن لبنان إلى الرئيس السوري حافظ الأسد بعدما شارك في القوات الدولية لتحرير الكويت، يومها كانت واشنطن تراقب الوضع من بعيد، لكنها شاركت في إعادة تسليح الجيش وتدريبه ودعمه تحت رعاية دمشق. وبعد الإنسحاب السوري من لبنان عام 2005 تبدّل الوضع ودخلت واشنطن لبنان مباشرة.

وتكثر التحليلات والأخبار والشائعات عن تحرّك أميركي قبالة الشواطئ اللبنانية هدفه تنفيذ إنزال برّي أو مواجهة «حزب الله» في حال قرّر فتح جبهة الجنوب وضرب إسرائيل ومساندة حركة «حماس». ويؤكّد مطلعون على الموقف الأميركي إفتقاد كل تلك الأخبار والروايات إلى الوقائع، فمن الناحية الأمنية والإستخباراتية واشنطن ليست في حاجة إلى حجة أو إندلاع حرب لتتواجد في لبنان.

ونجحت الولايات المتحدة في بناء أكبر سفارة أميركية في الشرق في عوكر، وبالتالي الوجود الأميركي في لبنان راسخ. ومن الناحية العسكرية، هناك اتفاقات تعاون وشراكة عسكرية بين واشنطن وبيروت، ووجود للقوات الأميركية في لبنان في إطار التدريب والدعم والتسليح للجيش اللبناني.

ومن يراقب الموقف الأميركي، يكتشف أنّ واشنطن من أكثر الدول حرصاً على أمن لبنان واستقراره. فمنذ توسّع تنظيم «داعش» وأخواته، بادرت إلى تسليح الجيش اللبناني بالأسلحة المتوسطة والثقيلة، ثم أمّنت المستلزمات اللازمة لدعم صمود الجيش في فترة الإنهيار. لذلك تريد واشنطن عزل الساحة اللبنانية عن تداعيات أزمات المنطقة والحروب القائمة، ولن يكون هناك تدخّل إلا إذا تخطت إيران الخطوط الحمر.

ويبقى الملف السياسي الأهمّ بالنسبة إلى واشنطن، حيث تشير المعلومات إلى أن السفيرة الأميركية دوروثي شيا نقلت إلى المسؤولين اللبنانيين التحذيرات الإسرائيلية من اليوم الأول لوقوع أحداث غزّة، وتواصلت الإدارة الأميركية مع تل أبيب لتحييد لبنان عن أي حرب يمكن أن تشتعل. والأهم في السلوك الأميركي حسب المطّلعين، هو اتّباع سياسة التهديد بالحرب لمنع وقوعها، لذلك لجأت واشنطن إلى نقل التحذيرات الإسرائيلية إلى لبنان لكي لا يصل الجنوب وبقية المناطق إلى الحالة التي وصل إليها قطاع غزة.

لن يقتصر النشاط العسكري الأميركي على حاملة الطائرات التي أتت منذ اليوم الأول لحرب غزة، بل ستشهد شواطئ المتوسّط مزيداً من الحشود العسكرية الأميركية والغربية وتقديم شتى أنواع الدعم، لكنّ الأميركيين جازمون في عدم استجرار الحرب إلى لبنان، إلا إذا قررت إيران فتح الجبهة، وأي تحرّك عسكري للقطع الأميركية سواء عبرت المياه الإقليمية اللبنانية أو استخدمت مرفأ بيروت لأمور لوجستية لا يعني مهاجمة واشنطن لبنان، بل يأتي ضمن النشاط العسكري في المنطقة.