كتب آلان سركيس في “نداء الوطن”:
يرصد «حزب الله» تفاعل الساحة الداخلية مثلما يرصد أجواء الجبهات، ويحاول الإستثمار في الحرب لتحجيم خصومه ومحاولة إحراجهم. ويأتي في سلّم غرفة العمليات توجيه القريبين منه للهجوم على «القوات اللبنانية» واستطراداً على المسيحيين تحت عنوان التخاذل عن دعم غزة. في حين تبدو مواقف «القوات» واضحة ولا يحرجها صراخ الممانعين مهما ارتفع.
خرج رئيس جهاز الإعلام والتواصل في حزب «القوات اللبنانية» شارل جبور بموقف عالي النبرة من الإعتداءات التي قام بها المخرّبون بالقرب من السفارة الأميركية في عوكر. ولا يُعبّر كلام جبور عن موقفه الشخصي أو موقف القواتيين، بل عن موقف الشريحة العظمى من الشارع المسيحي سواء أكان قواتياً أم كتائبياً أم مستقلاً أم حتى عونياً. وإذا كانت «القوات» هي التي تقود المواجهة على الأرض، إلا أنّ تلك المواجهة تحصل وسط تعاطف مسيحي عارم نابع من خوف على الوجود أولاً، وعلى الكيان اللبناني ثانياً.
وإذا جرى إستفتاء حول مسألة مَن مع فتح جبهة الجنوب ومن ضدها، فالأكيد كما يظهر، تُجمع الغالبية المسيحية، ومعها اللبنانيون على رفض زجّ لبنان في الحرب المدمّرة واستفراد «حزب الله» وخطفه قرار السلم والحرب.
ومن جهة أخرى، تتعامل «القوات اللبنانية» بمسؤولية كبرى في هذا الوقت العصيب، وهنا يطالبها الشارع المسيحي بتأمين مظلة الحماية للمجتمع الذي يمنحها ثقته في كل مناسبة، مع معرفة مسبقة بأن حجم ما يحصل في المنطقة هو أكبر بكثير من أي فريق داخلي، ويوازي الحرب الأوكرانية – الروسية التي تدخل معظم الدول فيها. وتدرس «القوات» ما يحصل بعيداً عن الشعبوية أو التمنيات، وترى أن الحرب التي تدور هي من أكبر حروب المنطقة وهي حرب طاحنة وتحشد إسرائيل كل الدعم العالمي وسط المخاوف من توسّعها.
وانطلاقاً من كل المخاطر، ودعماً لمشروع الدولة، كان مشروع التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون الذي تقدمت به «الجمهورية القوية»، وتؤكد «القوات» إجراء كل الاتصالات اللازمة من أجل إقراره، فلا يجوز في هذا الوقت العصيب ترك المؤسسة العسكرية بلا قيادة.
وترفض «القوات» إدخال لبنان في صراع هو أكبر منه، لكنها تعرف وجود قرار الحرب والسلم عند «حزب الله» وإيران، وليس عند الدولة اللبنانية، وهنا تكمن خطورة الوضع، خصوصاً أنّ التجارب السابقة لا تشجّع، فعلى طاولة حوار 2006 وعَد السيد حسن نصرالله رئيس الحكومة آنذاك فؤاد السنيورة وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وأعضاء طاولة الحوار بعدم الذهاب إلى حرب، وبعد أيام وجيزة إفتعل حرب «تموز» المدمّرة، ولم تستطع الدولة والحكومة إيقاف الحرب.
وتؤكّد «القوات» الإستمرار في المواجهة التي انطلقت منذ عام 2005، وهي دعم مشروع الدولة في وجه «دويلة حزب الله»، لذلك هناك رفض لسلوك «الحزب» الذي أوصل البلد إلى الإنهيار وقد يوصله إلى الدمار والخراب.
وتكشف «القوات» أنّ الوقت هو الآن لرصد ما يحدث في فلسطين والجنوب، والأحداث سيتم التعامل معها وفق اللحظة وبناء على ما يحصل، فإذا حصلت موجة هجرة من المناطق الحدودية المحسوبة عليها، على سبيل المثال، ستعمل «القوات» على إيوائهم ومساعدتهم، لكن إذا كانت الموجة أكبر من طاقة الإستيعاب فعندها سيتم التنسيق مع الكنيسة والأديرة لتأمين المستلزمات الضرورية، لأننا لن نقبل أن يتعرّض أهلنا لمآسي التهجير مجدداً.
تعتبر «القوات» المرحلة اليوم من أصعب المراحل، فالحرب الحاصلة تدخل فيها أميركا، وقد قالها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال إستقبال الرئيس جو بايدن بأنه أول رئيس أميركي يزور إسرائيل والبلاد في حالة حرب.
ليس الظرف اليوم مشابهاً لغزوة 7 أيار أو مواجهات الداخل، بل هناك تغيّر استراتيجي يحصل في المنطقة وهو أكبر من القوى السياسية كلها، وبالتالي تخوض «الممانعة» حرب البقاء والحفاظ على الوجود في حين تشنّ إسرائيل حرب القضاء على حركة «حماس»، وبالتالي لا يستطيع أي فريق داخلي القيام بأكثر مما يقوم به وسط خطف قرار الحرب والسلم من إيران و»حزب الله».