كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:
لا تقتصر تداعيات الحرب في المنطقة على القوى الأساسيّة المنخرطة في الأعمال الحربيّة والعسكريّة على الجبهات، بل تطول أيضاً قوى سياسيّة أخرى، طالما سعت إلى حجز موقعٍ لها في المعترك السياسي، قبل أن تمهّد أحداث 7 أكتوبر، وعمليّة «طوفان الأقصى» إلى إعادة إحياء الاندفاعة السنيّة للمواجهة العسكريّة والقتاليّة تماهياً مع غزة.
وهذا ما انعكس مباشرة على الداخل اللبناني، مع محاولة بعض «الفصائل السنيّة» الانخراط في موجة السعي إلى حجز موقعٍ أكبر لها في المعترك السياسي، في ظل تمادي التشرذم السائد في البيئة السنيّة، الناجم بطبيعة الحال عن خروج «تيار المستقبل» ورئيسه سعد الحريري من المشهد السياسي؛ ما دفع بعض المتابعين إلى اعتبار أنّ عودة «المستقبل» إلى الساحة السياسيّة بعد تغيّبه عن الأحداث الراهنة ستكون صعبة للغاية، بعد أن وضع الحالة السنيّة التي انبثق منها، في خدمة إعلاء صوت الاعتدال وتقديم مصلحة «لبنان أولاً» على العناوين الأساسيّة والجانبيّة التي يحلو للبعض استغلالها والاستثمار فيها راهناً.
وفي هذا السياق، لفتت أوساط سنّية متابعة إلى أنّ الخطر الفعلي والحذر في لبنان لا يرتبطان بطائفة أو أي مكوّن سياسي، بل بإمكانيّة قيام إيران و»حزب الله» بمساومة الأميركيين والإسرائيليين على لبنان، واعتبار أنّ التزام قواعد الاشتباك في الجنوب، وعدم توسيع جبهات القتال وتجنيب إرهاق إسرائيل بإشعال جبهتها الشماليّة، تخوّلهما المطالبة بتعزيز مكاسبهما السياسيّة على الساحة اللبنانية، والإمساك أكثر بمفاصل السلطة في لبنان.
واعتبرت أنّ «تيار المستقبل» أصبح بحكم المنتهي عملانياً منذ اتّخاذ الرئيس سعد الحريري قرار تعليق عمله السياسي وترك أنصار «التيار» وقياداته في مهبّ الريح، وذلك بالتزامن مع غياب معطيات عن عودة قريبة للحريري إلى لبنان، كما استئناف عمله السياسي، واقتصار دور «المستقبل» راهناً على إحياء ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري، والرابط الوراثي الذي يحمله الرئيس سعد الحريري من إرث أبيه.
ومع التشديد على وجوب الخروج من الارتباط والمقارنة العملانية ما بين دور الطائفة السنيّة و»تيار المستقبل»، على اعتبار أنه لم يعد موجوداً خلال هذه المرحلة، برز التصويب نحو إمكانية تنامي دور «الجماعة الإسلاميّة» والتيارات التقليدية، وذلك وسط استبعاد اقتصار تداعيات الحرب على غزة على المشهد السنّي في لبنان، تحديداً، وأنّ الخيارات المتاحة أمام لبنان، مرتبطة بانخراط «حزب الله» ومن دون ضوابط في المشهد القتالي في فلسطين، الأمر الذي سيؤدي إلى تدمير لبنان وإلحاق الضرر بكل مكوّناته بعيداً عن التمييز بين طائفة وأخرى.
وفي قراءة متقدّمة للمشهدية الراهنة المرتبطة بصمود غزة، لفتت أوساط متابعة إلى أنّ الدعم الدولي لإسرائيل سيؤدي في نهاية المطاف إلى تسوية سياسيّة قد تطيح «حماس» بعد تكبيدها أثماناً هائلة؛ ومن خلالها إطاحة الفصائل السنيّة التي تدور في فلك «حزب الله»، العاجزة عن تشكيل حيثيّة قائمة بذاتها، وذلك باعتبار أنها اختراع «الحزب» وتتحرك وفق تعليماته، وتظهيرها راهناً يصبّ في خانة حرف النظر عن انخراط الأذرع الإيرانية بشكل مباشر في الحرب، ومحاولة استقطاب تأييد الشارع السنيّ من خلالها والإبقاء على عملها ضمن الهامش الذي رسمه «حزب الله» لها.
ومع التأكيد على أنّ بلورة الصورة النهائيّة لما ستؤول إليه المشهدية في المنطقة، وفي الساحة السنيّة تحديداً، تبقى رهن النتائج النهائيّة لما سيؤول إليه تطوّر الأحداث في غزة، ومستقبل «حماس» السياسي، توقف المتابعون عند دور «حزب الله» كقوة وحيدة مسلّحة في لبنان، توجب على أي مكوّن سياسي التفاهم معه؛ حتى الشخصيات السياسيّة والوطنية على الساحة السنيّة، التي سبق أن أدّت أدواراً كبيرة قبل بروز «الحريريّة السياسيّة» وتيار «المستقبل»، والتشديد على أنّ ارتفاع أزيز الرصاص وتقدّم العمليات العسكريّة يساهمان في تقليص دور الأصوات المعتدلة وتغييب المطالبين بتحييد لبنان عن الأعمال الحربية وتخوينهم، باعتبار أنّ القضيّة الفلسطينيّة هي قضيتهم المركزية.