كتبت راكيل عتيّق في “نداء الوطن”:
قبل زيارة وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب والوفد المرافق لدمشق منذ نحو أسبوعين، توجّه عدد من الوزراء إلى سوريا لإيجاد حلول لعودة النازحين، وكانوا ينقلون عن دمشق تقديمها تسهيلات لعودة مواطنيها، لكن هذه التسهيلات لم تغرِ النازحين للعودة. بو حبيب التقى نظيره السوري فيصل المقداد، واتفق الجانبان على التنسيق والتعاون والتسهيل من الجانب السوري. وهذا تماماً ما كان ينقله جميع زوار دمشق في السنوات السابقة، والنتيجة نفسها: صفر.
عملياً، وبمعزل عن العودة الشاملة، والتي بات الجميع مقتنعاً بأنّها مرتبطة بالحلّ السياسي في سوريا ووقف المساعدات الأممية للنازحين في لبنان ونقلها إلى الداخل السوري وإعادة الإعمار بتمويلٍ عربي وغربي، يُمكن لسوريا، «إذا توافرت النوايا»، أن تمنع موجات النزوح الجديدة من الجهة السورية. وهذا الفعل الوحيد الذي يسهّل على الجيش اللبناني ضبط الحدود من الجهة اللبنانية ومنع «تهريب البشر» أو تسلُّلهم، بحسب مصادر أمنية. لكن عملياً، وبحسب الأرقام، لم يتغيّر شيء على الأرض، بعد زيارة بو حبيب لدمشق، ولا تزال وتيرة محاولة الدخول إلى لبنان خلسةً بالأعداد نفسها، ولا يزال الجيش يضبط الآلاف من الذين يحاولون التسلّل ويرحّلهم.
وفي حين كان ملف النزوح يتصدّر الأولويات اللبنانية، قبل «طوفان الأقصى»، اختلفت التراتبية بعد 7 تشرين الاول 2023، وبات التركيز على منع جرّ لبنان إلى الحرب القائمة. لكن «شبح» الحرب يحمل أيضاً مخاطر إضافية للنزوح. وتقول مصادر ديبلوماسية متابعة لهذا الملف: لا إمكانيات للدولة اللبنانية لمواجهة تداعيات الحرب على أي مستوى، وها هي تستنجد بالمجتمع الدولي ومنظماته وجمعياته لتأمين الحدّ الأدنى من المقومات الاستشفائية والاجتماعية والمالية وتجهيز الملاجئ وغيرها. فكيف سيُواجه لبنان المجتمع الدولي في ملف النزوح وهو يستعطي منه؟
إلى ذلك، أي حرب أو توتُّر فعلي وتراجع للإقتصاد سيكون مضاعفاً مع النزوح، فعلى سبيل المثال، إنّ ثلث فاتورة الاستيراد تذهب إلى السوريين في لبنان، وهي بالعملة الصعبة. وهناك ضغط من النزوح على الليرة اللبنانية والكهرباء والمياه وفرص العمل والصرف الصحي والمحروقات والقمح والأدوية والمواد الغذائية… وبالتالي، إذا حصلت أي أزمة في توافر المواد الغذائية أو غيرها، ستكون مضاعفة بسبب زيادة عدد السكان في لبنان، حيث يعيش أكثر من مليوني سوري.
كذلك يشكّل النزوح ضغطاً إضافياً على الجيش اللبناني، ويتخوّف كثير من اللبنانيين، من أن تخلق الحرب الواسعة إذا حصلت، فوضى في الداخل جرّاء النزوح، خصوصاً في ظلّ الأزمة التي تُطاول الأجهزة الأمنية والبلديات.
حتى الآن يتمكّن الجيش من ضبط النزوح أمنياً، ولا خوف من أن تتحوّل مخيمات النزوح إلى «نهر بارد» جديد. لكن الخشية الفعلية تكمن لجهة التوترات الأمنية والجرائم الفردية، فيُمكن ارتكاب أي جريمة بـ»سكين». ويستمرّ الجيش بدهم مخيمات أو تجمعات النازحين، إمّا إثر إشكال أو إخبار أو عمل مخابراتي واستباقي، حيث يضبط أسلحة ومخدرات ومواد مستخدمة لصنعها وسيارات غير قانونية ودراجات نارية مسروقة وأوراقاً مالية مزوّرة إضافةً إلى شبكات انترنت وأجهزة حديثة…
لمنع هذا الخطر الأمني إضافةً إلى الحدّ من تكلفة النزوح، في وقتٍ لا عودة قبل «القرار الدولي»، يجب بحسب مصادر عاملة على هذا الملف، تأمين إجماع لبناني وإقرار مقاربة واحدة لوضع المجتمع الدولي أمامها، تكوين «داتا» عن النزوح خاصة بالدولة اللبنانية بمعزل عن «داتا» المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهذا يمكن للدولة أن تقوم به عبر أجهزتها، وهو مطروح منذ عام 2014، ولم يتحقّق، وإنشاء مخيمات على الحدود وفرض التمويل الدولي لها، حيث يُمكن حصر النزوح وضبطه ومراقبته، لكن رئيس «التيار الوطني الحر» هو من عرقل هذا الطرح عام 2014 وسايره «حزب الله»، لـ»عدم تكرار التجربة الفلسطينية».