Site icon IMLebanon

نصرالله برّأ إيران من “طوفان الأقصى” فهل من ثمن في لبنان؟

A picture taken on August 26, 2019, near the northern Israeli town of Avivim shows a Hezbollah flag in the Lebanon village of Aitaroun. - A pro-Syrian Palestinian group accused Israel of carrying out a drone attack on one of its positions in Lebanon, hours after Hezbollah claimed it was targeted by a similar Israeli strike. Lebanon's state National News Agency said "three hostile strikes" after midnight hit near the eastern town of Qusaya "where the Popular Front for the Liberation of Palestine - General Command has military posts". (Photo by JALAA MAREY / AFP)

كتب سعد الياس في “القدس العربي”:

إنتظر كثيرون في لبنان وإسرائيل والعالم العربي خطاب أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله الذي تم الترويج له على أنه سيحدد المسار والمستقبل في المعركة العسكرية الدائرة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، لكن هذا الخطاب الذي ألقاه بعد صمت لافت جاء متواضعاً وأقل من المتوقع لا بل أغفل معادلة «وحدة الساحات» التي سبق لنصرالله أن أطلقها بنفسه، وتبرّأ وبرّأ إيران من مسؤولية «طوفان الأقصى» لأن لا مصلحة لإيران بالدخول حالياً في الحرب، ولذلك عبّر عن أقصى درجات التضامن اللفظي مع غزة من دون أن يترجم هذا التضامن ميدانياً ولم يضمّن الخطاب لغة تهديدية بصواريخه وتلويحاً بقصف تل أبيب وما بعد ما بعد حيفا، بل قلَب المعادلات، إذ بعد ما كان يهدد باقتحام الجليل وإزالة إسرائيل اكتفى بتحذير العدو من ارتكاب أي حماقة.

وفي وقت غيّب نصرالله الدولة اللبنانية وبرز كمتحدث بإسم محور الممانعة، إلا أن البعض يرى أن الاعتبارات اللبنانية وشبه الاجماع على رفض الدخول في حرب أملت على نصرالله ضبط إيقاع خطابه تفادياً لأي تداعيات على الوضع الداخلي الذي لا يحتمل أي حرب بفعل الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة التي يمر بها لبنان منذ 4 سنوات في حال فتح الجبهة الجنوبية على مصراعيها وخروجها عن قواعد الاشتباك.

وهكذا بعد ما حبس كثيرون أنفاسهم على مدى أيام في انتظار كلمة أمين عام حزب بل انتظار كلمة الحكومة اللبنانية، اكتفى نصرالله بسرد وقائع وتوصيف لما يجري في المعركة مع إدانة إسرائيل وتحميل الولايات المتحدة الأمريكية المسؤولية، وبدا كلاعب احتياطي في هذه المعركة ومحكوماً بالسقف الإيراني القاضي بعدم توسيع الحرب، مكتفياً بتكرار إنشائيات لإسرائيل والولايات المتحدة كمثل «نحذّركم من أن كل الاحتمالات مفتوحة على جبهتنا» و«أساطيلكم لا تخيفنا».

ولكن لا أحد يضمن ما تخبئه الأيام المقبلة على صعيد الجبهة الجنوبية وإن كان الوضع سيتطور أكثر ويؤدي إلى انفجار خصوصاً وأن عمليات حزب الله في الجنوب وإطلاق الصواريخ عبر الحدود تستحضر ما كان يحدث منذ عقود من تشريع للعمل المسلّح على الحدود، وهو ما كان يتسبب بانقسام سياسي بين من يطالب بفتح الحدود تحت عناوين كبرى ومنها دعم القضية الفلسطينية وبين من يرفض فتح هذه الحدود حفاظًا على الاستقرار اللبناني. ويرى خصوم حزب الله أن التجربة دلّت بأن فتح الحدود في السابق أدى إلى اجتياحات إسرائيلية وإلى تدمير لبنان وتهجير شعبه وتحويله إلى ساحة، بينما عدم فتح الحدود يشكّل وحده الضمانة لإخراج لبنان من الفوضى إلى الانتظام. ويعتقد هؤلاء أن النقاش ليس ولم يكن يوماً حول أحقية الشعب الفلسطيني في أرضه ودولته وحول مظلوميته وضرورة التضامن معه بل كان النقاش حول كيفية دعم حق الشعب الفلسطيني من دون المس بالاستقرار اللبناني خصوصاً أن لبنان دفع كثيراً ثمن تبدية قضايا أخرى على حساب قضيته، وبالتالي ليس من المفيد تخوين من يدعون إلى الضغط السياسي والإعلامي من أجل غزة وفلسطين والابتعاد عن استخدام الضغط العسكري على الحدود لأنه لن يخدم كثيراً القضية الفلسطينية ويجلب الحرب إلى لبنان ويكرّر سيناريو حرب تموز 2006.

إشغال ثلث الجيش الإسرائيلي

بناء عليه، يمكن القول إن لبنان تنفّس الصعداء قليلاً بعد خطاب نصرالله الذي تميّز بالواقعية وعدم التهوّر بالذهاب إلى حرب والاقتناع بأن معركة غزة هي فلسطينية مئة بالمئة وأن وظيفة حزب الله على طول الحدود هي إشغال ثلث الجيش الإسرائيلي. وجاء هذا الخطاب في ظل الدعوات المتكررة إلى عدم جر لبنان إلى الحرب لأنها ستقضي عليه حسب ما تعلن قيادات لبنانية كثيرة على رأسها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.

لكن الأمين العام السابق لحزب الله الشيخ صبحي الطفيلي يعتبر أن سلاح حزب الله لن يُستخدم لنصرة غزة، ويرى أن ما يجري على الحدود الجنوبية هو أمر متفق عليه وهو مجرد محاولة لحفظ ماء الوجه ومسرحيات لخداع البسطاء من المسلمين أو الشيعة والقول إننا نسعى ما باستطاعتنا. ويذكّر الطفيلي برسالة وصلت إلى أمين عام حزب الله من نائب الرئيس الأمريكي السابق ديك تشيني عبر الصحافي الأمريكي اللبناني الأصل جورج نادر عام 2018 بتمكين حزب الله من لبنان ودعمه بمليارات الدولارات وإسقاطه من لوائح الإرهاب في مقابل أمرين الأول العمل لدى الأمريكيين بالأمن والمشاركة في الحروب في المنطقة والثاني التخلي عن مقاومة العدو الإسرائيلي وحماية الحدود. ويخلص الطفيلي للقول «إن الشعارات التي تُطلَق بهدف تجييش الشيعة هي مزيفة وخادعة، وهي نتيجة اتفاق بين وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية ووزير خارجية إيران بعد هجمات نيويورك في 11 ايلول».

وانطلاقاً من كلام الطفيلي بدأ البعض يطرح علامات استفهام حول سر هذا التبدل عند حزب الله وهل يعكس عدم الانخراط في الحرب رغبة إيرانية في البيع والشراء وفي مبادلة شعار «وحدة الساحات» بثمن سياسي في لبنان من خلال تكريس هيمنتها على البلد وتوسيع سيطرة حزب الله على القرار اللبناني على غرار ما حصل مع الرئيس حافظ الأسد في مطلع التسعينات عندما حلّلت له واشنطن الوصاية على لبنان بعد مشاركته في الحرب ضد العراق إثر اجتياح الرئيس صدام حسين الكويت.

لا يوافق أحد قياديي المعارضة على هذا الأمر، ولا يعتبر أن الظروف مماثلة لما حصل في التسعينات ولا امكانية لتسليم لبنان لإيران من قبل أحد، مستعيداً تجربة فشل محور الممانعة في إيصال مرشحه سليمان فرنجية على الرغم من الاندفاعة الفرنسية وعدم الممانعة الأمريكية وذلك بسبب موقف الأحزاب السيادية التي رفضت الاستسلام لهذا الخيار واستطاعت الوقوف في وجهه.

ومن المعلوم أن أغلبية اللبنانيين لا يوافقون على نهج حزب الله ومن خلفه إيران، ولو تم الزج بلبنان في الحرب رغماً عن إرادتهم لكانت شرائح لبنانية عديدة عبّرت بعد انتهاء هذه الحرب عن رغبتها في الطلاق مع الحزب والتخلص من حال الهيمنة والاستقواء وفي طليعة هذه الشرائح المسيحيون الذين كانوا حتى الأمس يتمسكون بلبنان الكبير الذي تأسس عام 1920 ولو كان على حساب تعلقهم بشعار 10452 كلم مربع.