كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في “الراي” الكويتية:
اللعبُ على حافة الحرب الشاملة. هكذا بدا الوضعُ على الجبهة اللبنانية الجنوبية، غداة أول كسْرٍ مباشرٍ لقواعد الاشتباك التي تَحكم منذ 8 تشرين الأول المواجهات «المنضبطة» بين «حزب الله» وإسرائيل والتي شكّلها استهدافُ سيّارة مدنية على المقلب اللبناني سقطتْ فيها 3 طفلات شقيقات وجدّتهن وجُرحت والدتهنّ.
وفيما قدّم لبنان أمس، شكوى إلى مجلس الأمن في شأن جريمة قتْل اسرائيل لأطفال ومدنيين، وسط إعلان وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بوحبيب، «أنها جريمة حرب تعكس بوضوحٍ سياسةَ اسرائيل باستهداف العائلات والأطفال والمسعفين والصحافيين عمداً»، فإنّ ما حصل مساءَ الأحد، بين عيناتا وعيترون، اعتُبر جرسَ إنذارٍ عالياً حيال مَخاطر انزلاق الوضع على الجبهة الجنوبية إلى حربٍ مفتوحة، إن لم يكن بقرارٍ كبيرٍ عبّرتْ كل من تل أبيب و«حزب الله» مبدئياً عن عدم رغبتهما باتخاذه على وقع ردْعٍ مزدوج من واشنطن لكل من حليفتها اسرائيل و«عدوّتها» إيران، فبخطأ كبير ترتفع احتمالاته كلما طال أمد «المحرقة» في غزة بحيث قد يجرّ أي تطور غير محسوب إلى منزلقاتٍ تشعل المواجهة الكبرى.
وشخصت الأنظارُ أمس، على المسرح الميداني والسياسي – الديبلوماسي في ملاقاة الجريمة الإسرائيلية الموصوفة بحق المدنيين اللبنانيين، وفق الآتي:
– رصْد «الزمان والمكان» المناسبيْن لردّ «حزب الله» وفق معادلة «المدني بالمدني» التي أعلنها الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله (الجمعة)، خصوصاً في ضوء اعتبار أن إعلان الحزب مساء الأحد، عن أول استهداف بـ «بندقيته» لكريات شمونة «بعددٍ من صواريخ غراد (كاتيوشا)» سقط بين 10 و12 منها في المستوطنة، بمثابة ردّ أولي وليس نهائياً وفق ما عبّر عنه تأكيد «المقاومة الإسلامية» في بيانها، «أنها لن تتسامح أبداً بالمسّ والاعتداء على المدنيين وسيكون ردّها حازماً وقوياً».
– متابعة الوقائع المحيطة بما ارتكبتْه اسرائيل، وسط خشية اعتبرتْ أوساط سياسية أنه لا يمكن إسقاطها بالكامل من الحسبان، من أن تحاول تل أبيب في توقيتٍ ما استدراج لبنان إلى ما سبقت أن أطلقت عليه «الحرب الاستباقية» (وفق ما عبّر النائب مروان حماده).
وإذ رأت هذه الأوساط أن هذه الخشية يعزّزها ارتفاع منسوب «الجنون» الاسرائيلي، سواء بالتلميح لإمكان إلقاء قنبلة نووية على غزة، أو الدعوة لإنشاء مناطق عازلة في الضفة الغربية، لا يدخلها العرب، فإنها لفتت إلى أن بروز «فجوة» بين تل أبيب وواشنطن حيال مجريات الحرب وضوابطها يزيد القلقَ من احتمال أن تلتقط اسرائيل فرصة وجود الأساطيل الأميركية في المتوسط لشبْك أكثر من جبهةٍ بالنار و«تحييد المَخاطر لمرة واحدة ونهائية».
وإذا كان الإعلان النادر من الجيش الأميركي أن أكبر غواصاته (النووية) «أوهايو» القادرة على إطلاق الصواريخ البالستية وصواريخ «كروز»، والتي تُعرف بـ «شبح البحار» وصلتْ إلى الشرق الأوسط، يشكّل رسالةَ ردعٍ موجّهة بوضوح إلى إيران وعنصرَ طمأنة إضافياً لإسرائيل، ويؤكد في الوقت نفسه أن أي ضبْطٍ لمسارِ الحرب على غزة وعقْلنة أهدافه النهائية يمكن «تعويضه» على الطاولة عبر «الوزن الأثقل» عسكرياً للحضور الأميركي «المرقّط» (بدأ بحاملتيْ الطائرات «دوايت آيزنهاور» و«جيرالد فورد»)، فإن الأنظارَ تبقى على تَعَمُّق التباين الأميركي – الاسرائيلي حيال إدارة المعركة وتخفيف آثارها على غزة والمدنيين.
ولم يكن عابراً وفق الأوساط نفسها، ما كتبتْه صحيفة «يديعوت آحرونوت»، عن أن «أميركا تريد تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط على حساب إسرائيل، كي تتمكّن من التركيز على تحقيق النصر في الحرب الروسية – الأوكرانية، والتنافس مع الصين على الهيمنة، ولتستعيد مكانتها في الشرق الأوسط التي فقدتها أمام بكين وإلى حد ما أمام موسكو»، معتبرة «أن الإدارة في واشنطن مخطئة في تحليلها للشرق الأوسط، وتعتقد أنها ستعزّز موقعها في المنطقة من خلال الحصول على هدنة إنسانية وتزويد القطاع بالوقود».
وعلى وقع هذه المعطيات المتشابكة، ساد الجبهةَ الجنوبية نهاراً هدوءٌ نسبي برزت الخشية من أن يكون «ما قبل العاصفة»، وسط رفْع إسرائيل مستوى التحسب في مستوطناتها الشمالية، حيث طالبت بلدية كريات شمونة جميع السكان الموجودين فيها بمغادرتها فوراً، بالتوازي مع الطلب من سكان 14 مستوطنة أخرى البقاء في المناطق المحمية، وإعلانها أن حركة المرور على الطرق التي تقع ضمن مسافة 02 كلم من السياج الحدودي «محظورة وخطيرة».
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية أشارت إلى أن الصواريخ التي أطلقها «حزب الله» على كريات شمونة لم تُستخدم منذ بداية الحرب، في موازاة تأكيد وسائل إعلام لبنانية أن «القبة الحديد لم تنجح في اعتراض إلا صاروخ واحد».
وفيما أعلن الحزب مقتل أحد عناصره (ارتفعت حصيلة عناصره الذين سقطوا منذ 8 تشرين الاول إلى 61)، تَعَرَّضَ محيط بلدتي الناقورة واللبونة صباحاً لقصف مدفعي، قبل الإبلاغ عصراً عن أصوات انفجارات تسمع في القطاع الغربي لجنوب لبنان وعن صفارات إنذار تدوّي في أفيفيم والمالكية في الجليل الأعلى.
وعصراً، أعلنت «كتائب القسام»، قصف «نهاريا وجنوب حيفا بـ16 صاروخاً رداً على مجازر الاحتلال وعدوانه على أهلنا في قطاع غزة».
وإذ ذكّر الناطق الرسمي باسم قوة «اليونيفيل» أندريا تيننتي تعليقاً على مقتل ريماس محمود شور (14 سنة)، وشقيقتاها تالين (12 سنة)، وليان (10 سنوات) وجدتهنّ (سميرة عبدالحسين أيوب) «جميع الأطراف المعنية بأن الهجمات ضد المدنيين تشكل انتهاكاً للقانون الدولي، وقد ترقى إلى مستوى جرائم حرب. ونحض الجميع على وقف إطلاق النار الآن، لمنع تعرّض المزيد من الناس للأذى»، معتبراً أن«احتمال خروج التصعيد عن نطاق السيطرة واضح»، برز أمس إعلان وزارة الخارجية البريطانية، أنها سحبتْ موقتاً بعض موظفي السفارة البريطانية من لبنان.
ونصحت البريطانيين بعدم السفر إلى لبنان بسبب الصراع في غزة وتبادل إطلاق النار عند الحدود الجنوبية للبنان. وحضّت رعاياها على المغادرة في وقت لاتزال فيه الرحلات التجارية متاحة.
في موازاة ذلك، وعلى وقع إعلان أن نصرالله، سيطلّ مجدداً عصر السبت، لمناسبة «يوم شهيد الحزب» وتَرقُب هل سيزور رئيس المكتب السياسي لـ «حماس» إسماعيل هنيّة بيروت، خلال أيام كما جرى التداول، يركّز لبنان على الاستعداد للمشاركة في القمة العربية الطارئة التي تستضيفها السعودية في 11 الجاري، حيث سيتولى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ترؤس الوفد اللبناني، هو الذي كان قام في الأيام الأخيرة بجولة على عدد من العواصم العربية والتقى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (في عمان) ساعياً لتوفير «بوليصة تأمين» للبنان من الانزلاق إلى حرب مدمّرة تضع مصيره على المحكّ.