جاء في “النهار”:
ما يُقال في العلن يختلف عما يُقال في الخفاء. الكل يعرف أن وضع المستشفيات الحكومية “على قد حاله” حتى وإن كانت النوايا حسنة. إلا أن لا شيء ملموساً على أرض الواقع. تبدي المستشفيات الحكومية كما الخاصة استعداداتها لأي حالة طوارئ في البلد، جميع السيناريوات مطروحة، الكل يدرك أننا أمام مرحلة مفصلية والمفاجآت واردة ولا يمكن لأحد توقع أو حسم أي شيء. لكن بالرغم من جهوزية المستشفيات وتلبية النداء، لا يختلف إثنان على أن الخطة الموضوعة قد لا تصمد أكثر من أيام أمام نفاد الوقود والأوكسيجين.
المشكلة واضحة ومعروفة، قدرة المستشفيات الحكومية محدودة وإمكانية تخزين الوقود أو الأوكسيجين “على قدم وساق”، في انتظار الحصول على التمويل. التعويل يبقى على المساعدات والمنظمات الدولية. لكن ماذا لو لم تحصل الحكومة اللبنانية على هذه المساعدات المالية؟ وماذا لو استُنزفت هذه الموارد الأساسية سريعاً، من يضمن قدرة المستشفيات على الصمود والمعالجة؟
حتى الساعة، عمد كل مستشفى إلى وضع خطته التي تتماشى مع واقعها، بعضها استمد العبر من الحروب السابقة وبعضها الآخر من إمكانياته والتحديات التي يواجهها اليوم مع الأزمة الإقتصادية وتوابعها. يقولها بعض مدراء المستشفيات الحكومية بكل صراحة “لدينا خطتنا ولكن بحاجة إلى دعم، لا قدرة على التخزين ونحتاج إلى دعم مادي للصمود”.
يعمل مستشفى حاصبيا الحكومي بخطة الطوارئ التي وضعها بنفسه منذ 6 أشهر وليس بخطة الوزارة التي تقتضي التبليغ والعمل على توثيق الحالات، إذ تعرف مديرته الدكتورة سماح البيطار ما له وما عليه، وكيف بإمكانه خوض تجربة حالة الطوارئ في حال اندلاع الحرب بإمكانياته التي تتوقف، حسب ما أكدته البيطار لـ”النهار”، على الدعم المرصود للمستشفى.
برأيها أن “صمود المستشفى متوقف على عاملين أساسيين: تأمين الوقود والأوكسيجين. وفي حال تعذر ذلك، لن يكون بمقدور المستشفى معالجة الإصابات والحالات. ففي حال الحرب، يحتاج المستشفى إلى 5000 دولار لشراء الأوكسيجين كل 5 أيام. .وهذه الكلفة لا يمكن للمستشفى تحملها، وبالتالي في حال تعذر تأمين المحروقات من خلال دعم خارجي أو حكومي، فلن يكون بمقدورنا الاستمرار”.
وعليه، تشدد البيطار على أن الخطة الموضوعة لا تقتصر فقط على الاحتياجات وإنما عرض لطريقة العمل في حال حدوث أي حرب أو حالة طوارئ. في الحديث عن الاحتياجات، لقد بلغنا وزارة الصحة أننا لا نستطيع شراء وتخزين مستلزمات تكفي لشهرين أو أكثر، وقدرتنا تتوقف على شراء ما يلزم لمدة شهر واحد يمكن أن يستنزف خلال أسبوع أو 10 أيام في حال وقوع الحرب”.
وأرسل مستشفى حاصبيا الحكومي تقريراً يتناول فيه مشكلة العجز المادي الذي يقف عائقاً أمام القدرة على تخزين المستلزمات الطبية وغيرها من الموارد الأساسية لضمان سير عمل المستشفى في حال اندلاع الحرب. وجاء الرد من الوزارة أنها تسعى جاهدة “لتأمين هذه المساعدات”.
التحديات اليوم لمستشفى حاصبيا الحكومي تتركز في نقطتين:
* الوقود: العائق الأول قدرة تأمين الأموال المطلوبة لتخزين كميات وقود. كما أن العائق الثاني يتمثل بوجود مولد واحد للمستشفى، وفي حال توقف هذا المولد عن العمل فهذا يعني توقف المستشفى كلياً .
* الأوكسيجين: في حال كان لدينا مرضى في العناية الفائقة نحتاج إلى مبلغ 5 آلاف دولار كل خمسة أيام لتأمين الأوكسيجين لهم.
حال مستشفى مرجعيون الحكومي ليس أفضل، هو الذي يعتبر خط الدفاع الأول في حال اندلاع الحرب. ويوضح مديرها العام الدكتور مؤنس كلاكش لـ”النهار” أن “المستشفى استقبل لغاية اليوم 50 حالة بين جريح (32 جريحاً) وشهيد (18 شهيداً)، وعليه نحن في أتم الجهوزية حتى الآن. ولقد عالجنا بعض الإصابات وأجرينا الجراحات اللازمة لها، فيما البعض الآخر تمّ نقله إلى مستشفيات أخرى نتيجة الإصابات البليغة”.
ويعترف كلاكش أن “النسبة التشغيلية انخفضت في المستشفى شأنها شأن مستشفيات أخرى، إلا أن الكلفة التشغيلية مرتفعة. صحيح أننا جهزنا أنفسنا منذ بداية الأزمة، إلا أن الإمكانيات محدودة لدينا ولدى الدولة وبالتالي نطلب دعماً من الجهات المعنية والمؤسسات الدولية. وقد سلمتنا وزارة الصحة قسماً من أدوية ومستلزمات طبية تسلمتها من منظمة الصحة العالمية، بالإضافة إلى دفعة من الصليب الأحمر الدولي. ومع ذلك نطلب أن يكون الدعم أكبر لأن الإمكانيات محدودة جداً ولأننا خط الدفاع الأول في معالجة الحالات المصابة”.
ما يقلق كلاكش لا يختلف كثيراً عن البيطار، برأيه أن “التحدي الأكبر يتمثل بتوفر وتأمين المسلتزمات الطبية والأوكسيجين والمازوت. نعرف جيداً أنه لا يستطيع المستشفى أن يستمر في حال انقطاع المازوت أو الأوكسيجين، وقد شاركنا هذه النقاط والهواجس مع وزارة الصحة”.