كتب عيسى يحيى في “نداء الوطن”:
تشتّد حماوة الجبهة الجنوبية يوماً بعد آخر، وتفتح الباب على احتمال توسّعها في أي لحظة لتطول النيران الجبهات اللبنانية الأخرى، ويدخل لبنان في قلب الصراع الدائر، وبناء عليه تطرح الأسئلة عن الاستعدادات لمواجهة أي طارئ في البقاع، وخطة الحكومة والبلديات لمواجهة أي تداعيات.
تعمل الحكومة اللبنانية على إعداد خطة طوارئ لم تؤمّن لها التمويل اللازم حتى الآن، لمواكبة المرحلة الراهنة، وما قد يطرأ من تطوّرات عسكرية تنعكس على الأوضاع الاجتماعية والصحية والخدماتية للبنانيين. وعليه، تستنفر الوزارات المعنية بالتعاون مع البلديات والجمعيات المحلية والمنظمات الدولية في سبيل احتواء ما قد يحصل وتوفير الخدمات ومقوّمات الصمود من دواء ومياه ومراكز إيواء ومواد غذائية ومستشفيات.
وفيما تختصر الحكومة اللبنانية خطتها بأربعة عناوين رئيسية، هي: الصحة، الإيواء، الغذاء، والمياه، صنّفت بعلبك ضمن المناطق الثلاث الأكثر عرضةً للعدوان بعد الجنوب والضاحية، وبات الناس في مهبّ الخوف من الحرب إن وقعت، والبحث عن أماكن آمنة وتأمين ما يستطيعون من أساسيات وحاجيات.
منذ عام 2019، تعاني البلديات أوضاعاً مالية صعبة بفعل الأزمة وتراجع إيراداتها، ما انعكس تراجعاً في مهماتها التي اقتصرت عند العديد منها على الأساسيات من كنس نفايات ورواتب عمال وموظفين، وصيانة دورية لشبكات المياه وغيرها، وتحمّلت على مدى السنوات الأربع المنصرمة ما تحمّلته، واعتمد الكثير منها على المساعدات المالية من الأحزاب، إضافةً الى المساعدات من المنظمات المانحة. ومع اتّساع رقعة الخطر الذي يهدّد لبنان واللبنانيين في ظل أزمة معيشية واقتصادية خانقة، يبرز دور البلديات الى الواجهة في مساندة الحكومة على تنفيذ خطة الطوارئ عند حدوث أي تطور، إضافةً الى مسؤولياتها عن تأمين كل ما أمكن ضمن نطاقها الجغرافي.
وفي هذا الإطار، يقول رئيس اتحاد بلديات بعلبك شفيق شحادة لـ»نداء الوطن»: «كأبناء منطقة، سواء كنا ضمن العمل البلدي أو أي موقع آخر في الشأن العام، لدينا إحساس بالمسؤولية عمّا يتعلق بالحرب، وغيرها من الكوارث، نندفع للوقوف الى جانب الناس». وأضاف:» أما على المستوى الرسمي فحضرنا الجلسة الأولى التي دعت إليها غرفة إدارة الكوارث في محافظة بعلبك الهرمل منذ خمسة أيام في مبنى اتحاد بلديات بعلبك، ودعيت إليها المنظمات والجمعيات الدولية ورؤساء الاتحادات في المحافظة، وكان محور الحديث العناوين الأربعة التي وضعتها الحكومة، وناقشنا في ما نملك من مقومات لمواكبة هذا المسار، وأبدى بعض المنظمات تعاونه لتأمين بعض التمويل ووضعه في التصرف. وعلى مستوى البلديات، وهو لسان حال الجميع، توضع الخطط على مستوى الوطن ونحن آخر من يعلم، يسقطون علينا القرارات للتنفيذ، ونحن لم نشارك في وضع الخطط، وهي على الورق أصلاً، والأهم كيف ننفّذ من دون مقومات بشرية ومالية؟».
ورأى أنّ «المقوّمات البشرية يمكن تأمينها على قاعدة حبّ الناس للتطوع والمشاركة»، متسائلاً: «من أين نأتي بالمقوّمات المالية؟»، وتابع»إذا كنا كاتحاد بلديات نقع تحت دين يبلغ 7 مليارات ليرة، فيما حصّتنا من الصندوق البلدي المستقل سنوياً مليار ومئتا مليون تمّ تحويل نصفها، وما الى ذلك من رواتب ومستحقّات تتجاوز المليارين، في وقت يترك موظفو البلديات من دون الوقوف الى جانبهم، فليسوا محسوبين على القطاع العام ولا على القطاع الخاص».آليات الدفاع المدني معطّلة
وعلى صعيد التحضير لخطة مواجهة الحرب، أشار شحادة الى «أنّ البلديات حاضرة على الورق فقط، أما فعلياً فلا مقومات، لا توجد آليات لرفع الأنقاض إذا حصل دمار، ولا سائقين لها، ولا محروقات للآليات، وهنا يصيبنا ما حصل معنا خلال خطة مواجهة فيروس «كورونا»، حيث وُضعت خطة وطنية في تصرف البلديات لتنفيذها من دون تأمين الأموال اللازمة لها. وبالعودة الى الخطة، فعلى المستوى الصحّي المراكز موجودة أصلاً وهي تعمل كالصليب الأحمر ومؤسسة «عامل» و»الهيئة الصحية» والمستوصفات ومراكز الرعاية الاجتماعية، وهي تقدم الخدمات بحرب أو من دونها، أما الدفاع المدني فجميع آلياته معطلة، ولديه واحدة فقط تعمل، ولا مكان لتعبئة المياه في حال حصول حريق».
ويستشهد شحادة بمشروع أقره مجلس الوزراء عام 2018 «موّلته الـUndp وهو عبارة عن ورش تدريبية لكل البلديات في حال وقوع كوارث، وتمّ إنشاء غرف لإدارة الكوارث في حال وقوع أي طارئ، وكانت عبارة عن دورات إسعاف وغيرها، وقدّمنا لائحة بحاجاتنا، وما قدّم لنا من المشروع الذي كلف ملايين الدولارات إطفائيات للمباني أو أجهزة لاسلكية فقط تربطنا بالإدارة الأم، والمضحك أنه في العام نفسه حصل سيل جرّاء الأمطار في منطقة رأس بعلبك، ولم يتّصل بنا أحد ليسأل عن الكارثة أو قدّم لنا شيئاً».
وأضاف: «من الناحية النظرية نحن موجودون لمواجهة تداعيات الحرب، لكن من الناحية العملية لا يوجد شيء، وبالعودة الى العناوين التي وضعتها الحكومة، لا مياه يمكن تأمينها سوى من الآبار التي تعمل على الطاقة الشمسية، وهنا يؤدي الحظ دوراً في حال وقعت الحرب في الصيف نستطيع استخراج المياه، أما لناحية تأمين الغذاء فلا قدرة لنا لنشتري حبة أرزّ، وعلى صعيد مراكز الإيواء، وحيث صنّفت المنطقة كإحدى المناطق الأكثر عرضة للعدوان فمراكز الايواء من دون جدوى، ونرى ما يحدث في غزة من قصف للمستشفيات والمدارس. وقد أبدى اتحاد بلديات دير الأحمر في اللقاء استعداد البلدة لاستيعاب عدد من النازحين كونها قد تكون أقل عرضة. وأحصينا الأماكن التي تصلح لأن تكون مراكز إيواء من حسينيات ومساجد وكنائس ومدارس وغيرها، لكن لا مقومات فيها ولا تجهيزات».
وختم «التحضيرات والمقوّمات اليوم محصورة بالأحزاب التي وقفت الى جانب البلديات، وتحديداً «حزب الله»، وطلبنا من غرفة إدارة الكوارث وخلفها الحكومة أن يكون هناك وضوح لجهة ما هو مطلوب من البلديات وما تطلبه من مقومات».