كتبت باسمة عطوي في “نداء الوطن”:
في غمرة اعتماد الاتكال على الغاز الموجود في بحر لبنان للهروب من تنفيذ الاصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي كباب للخروج من الازمة، أتى اعلان ائتلاف «توتال إنرجيز» الذي يضم شركتي الطاقة الإيطالية العملاقة «إيني» و»قطر للطاقة»، أن لا كميات تجارية في البلوك رقم 9، ما يعني أن الآمال المعقودة على هذه الثروة لبدء الخروج من جحيم الازمة الاقتصادية في حكم المجمّدة حالياً بانتظار التطورات التي ستسجل عند التنقيب في البلوكين 8 و 10 من قبل الائتلاف النفطي نفسه.
بلد نفطي؟
إذاً، لا يمكن القول إن لبنان عشية التحول الى بلد نفطي، فالعقد مع «توتال» نصّ على حفر بئر واحدة في كل بلوك وقد تم الالتزام بهذا الاتفاق. وفي حال قرّرت «توتال» الحفر في نقطة أخرى في البلوك نفسه فإنّ هذه الخطوة ستأخذ وقتاً. وفي هذا الاطار تشرح خبيرة النفط والغاز لوري هاتايان لـ»نداء الوطن» أنه «في ظل كل هذه الظروف التي تحيط بالملف النفطي في لبنان، يمكن القول إننا بتنا بعيدين جداً عن الحلم أو الوهم الذي عاشه اللبنانيون بأنهم سيدخلون نادي الدول المنتجة للنفط والغاز»، جازمة أن «هذا الحلم أصبح بعيد المنال طالما أن الوضع على حاله. والسلطة السياسية التي كانت تتكل على هذا القطاع للهروب من تنفيذ الاصلاحات، لم يعد يمكنها ذلك، ولا مفر من تنفيذها الاصلاحات الأساسية والبنيوية المطلوبة لتوقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي للخروج من الازمة». وترى أن «إكمال السلطة رهانها على اقتصاد الكاش وأموال المغتربين والمساعدات، يعني أن لا استثمارات أجنبية ستدخل الى لبنان بل تكريس المزيد من الفساد في الاقتصاد اللبناني وربما هذا هو هدف السلطة».
نتائج خائبة
تذكّر هاتايان أنه «في جولة التراخيص الاولى التي انتهت في العام 2018، أبرمت الدولة اللبنانية عقدين مع شركة «توتال انرجيز» للتنقيب عن النفط في البلوك رقم 4 و9، وفي 2020 قامت الشركات بأول حفر استكشافي في البلوك 4 وكانت النتيجة أنها بئر فارغة وليس فيها معطيات مشجعة. وفي 2023 أعلن ائتلاف الشركات الانسحاب الكلي من البلوك رقم 4»، مشيرة الى أن «هذا يعني أن هذا البلوك عاد الى الدولة اللبنانية مع المعطيات الجيولوجية عن البئر (الذي تمّ حفرها) ونتائج الحفر، وبعد تسارع الاحداث وترسيم الحدود البحرية في تشرين الاول 2022، أطلق الحفر الاستكشافي في البلوك رقم 9 في آب الماضي وجاءت النتيجة سلبية ايضاً».
الظروف الإقليمية
تضيف: «اليوم نحن لا نعرف مصير البلوك رقم 9. ولا نعرف اذا كانت الشركات ستتخلى جزئياً أو كلياً عنه او انها ستقوم بأعمال اضافية فيه. وجولة التراخيص الثانية التي انتهت في تشرين الاول 2023 أفضت الى عرضين من ذات الائتلاف الذي قدم عرضاً للحفر في البلوكين 8 و 10، ونحن ننتظر النتائج ورأي الحكومة اللبنانية لجهة رفض أو تعديل العقود، واذا كانت تعتبر أنه من المناسب فتح جولة تراخيص ثالثة وعرض البلوكات الباقية للتنقيب، ام أن الظروف الاقليمية والداخلية غير مؤاتية».
إدارة التوقعات
في الاطار نفسه توضح المستشارة القانونية في الشؤون البترولية الدكتورة خديجة حكيم لـ»نداء الوطن» أن «المشكلة الاساسية في لبنان هي في ادارة التوقعات. بمعنى أنه من الطبيعي أن لا تصيب أي شركة تنقيب عن الغاز، المكمن المطلوب في البلوك الذي تحفر فيه من المرة الاولى. وما حصل أن ائتلاف الشركات التزم بحفر مكمن واحد في البلوكين رقم 9 و4. وهذا يعني الحد الادنى للحفر»، مشددة على أن «هذا لا يعني أن هذه البلوكات خالية من النفط والغاز. فمنذ عهد الاستقلال الى الآن تم حفر 8 مكامن في البر للبحث عن النفط، وكل هذه المكامن أثبتت أن هناك آثاراً هيدروكوربونية، وهذا يدل على أنه لن يكون لبنان منعزلاً عن المنطقة المحيطة فيه، اي فلسطين المحتلة او قبرص او مصر والاردن وسوريا. وجميع هذه الدول تم اكتشاف النفط والغاز فيها».
لا إدارة جيدة
تشرح حكيم أنه «مرّ وقت طويل بين توقيع العقد في الـ2017 وبدء التنقيب عن الغاز في الـ2023 في البلوك رقم 4، ما يشير الى أن ادارة هذا الملف لم تتم بشكل جيد من قبل الجانب اللبناني»، معتبرة أن «عدم وجود سياسة متكاملة لمقاربة هذا القطاع هي التي أثّرت على المسار الذي تسير عليه عمليات التنقيب. والدليل أن الشركات نفسها التي نقّبت في البلوكين 4 و9، تقدمت بطلبات للتنقيب في البلوك رقم 8 و 10 ما يعني ان لبنان يملك احتمالاً كبيراً بوجود النفط والغاز».
المنطقة غنية
وتشدد على أن «المسوحات الزلزالية تثبت أن هذه المنطقة غنية بالنفط والغاز وبمواد هيدروكربونية، اما عدم وجود نفط في مكمن واحد في البلوك 9 او 4 فلا يعني انه لا يوجد نفط في البلوك كله. بل ان عمليات الحفر لم تصب المكامن التي تتضمن النفط والغاز بكميات تجارية»، لافتة الى أن «هيئة ادارة البترول في لبنان تقوم بواجبها من ناحية التنظيم، أي أنها تنشئ نظاماً قانونياً لاستخراج النفط والغاز وتدير هذا القطاع، لكن السياسة لها دور في تعطيل القوانين وتأخير تنفيذ العقود. فنتائج الحفر في البلوك رقم 4 مثلاً تقول إنه لا يحتوي على كميات تجارية من النفط والغاز، ولكن رسمياً ليس هناك اعلان أو نشر رسمي للتقرير الصادر عن الشركة».
لا تقارير مفصلة
تضيف: «أصول التنقيب تنص على أنه قبل 6 اشهر من اقفال البئر، على ائتلاف الشركات الاعلان عن النتائج بتقرير مفصل، لكن لا متابعة رسمية لبنانية لهذا الامر ويتذرعون بأنهم يملكون نسخة من التقرير لكنهم لا يريدون نشره، لأن شركات أخرى قد ترغب بالتنقيب في مكامن أخرى في البئرين»، مشيرة الى أنه «يجب على الاقل نشر موجز عن هذا التقرير، وهذا ما لم يحصل مع ان قانون الوصول الى المعلومات في لبنان ينص على ذلك». وتختم: «هذه الثغرات يجب معالجتها لاحقا من قبل الدولة اللبنانية وهيئة ادارة البترول، عند توقيع العقود للتنقيب في البلوكات الاخرى لأن احتمال اصابة مكمن الغاز المطلوب من المرة الاولى، أمر غير مضمون ويجب أن تتم التجربة في اكثر من مكمن وبئر استكشافية».