كتب طوني عيسى في “الجمهورية”:
تريث الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله طويلاً قبل أن يكشف مقاربة «الحزب» للحرب مع إسرائيل، سواء في غزة أو على الحدود مع لبنان. لكنه، قرّر المسارعة إلى إطلالة ثانية غداً السبت. والسبب، في نظر البعض، هو أنّ هناك قوى في الداخل والخارج إما فهمت خطأ ما أراد نصرالله إيصاله من رسائل، وإما عملت على استثمار هذه الرسائل لتصوير «الحزب» في موقع الضعيف، ما أثار استياءً داخل القواعد الشعبية المتعاطفة معه. وفي الحالين، يُفترض أن تتمّ إزالة هذا المناخ.
في الإطلالة الثانية، ليس متوقعاً أن يضيف نصرالله جديداً إلى ما قاله سابقاً، لكنه سيتعمّد إيضاح الرسائل التي أطلقها في الإطلالة الأولى. وعلى الأرجح، سيستخدم صيغة تعبير أكثر تشدّداً في مقاربة الملف، لإفهام الجميع أنّ «الحزب» ليس ضعيفاً. لكنه في العمق سيحافظ على الموقف السياسي المعلن سابقاً، من دون تعديل. وهذا الموقف يقوم على ركيزتين:
1- لن نتخلّى عن «حماس»، ولن نسمح لإسرائيل باستفرادها أو إضعافها أو القضاء عليها، كما تخطّط.
2- انطلاقاً، من التزامنا هذا، نحن نقوم بإشغال الجيش الإسرائيلي على حدود لبنان. وسيكون مدى انخراطنا في الحرب هنا مرهوناً بمدى تطوير إسرائيل لحربها هناك.
كان البعض يتوقع أن يُطلق نصرالله خطاباً تصعيدياً يوم الجمعة. وعندما جاءت نبرته هادئة، وجد بعض الخصوم في الداخل فرصتهم لاستغلال هذا الهدوء بـ”الشماتة” بـ”الحزب” والإيحاء أنّه لا يجرؤ على تنفيذ تهديداته السابقة بالردّ العنيف على إسرائيل. لكن هذا المناخ الداخلي يبقى محدود التأثير لأنّه يندرج في سياق الكيديات الداخلية المعتادة.
لكن ما أثار “الحزب” هو طريقة المقاربة الإسرائيلية لخطاب الجمعة. فقد قرّر الإسرائيليون استغلال “انضباط” “الحزب” ضمن حدود ضيّقة من القتال على الحدود مع إسرائيل، ليرفعوا من جرعات قصفهم ويوسّعوا دائرته في اتجاه المدنيين والتسبب بمستوى أعلى من الوجع.
وثمة اعتقاد في بعض الأوساط بأنّ إسرائيل تريد اختبار استعداد «الحزب» للردّ من لبنان، في سياق تكتيكها الهادف إلى التحضير للمراحل المقبلة من حرب غزة. فهل فعلاً سيطلق «الحزب» العنان للعنف على الحدود اللبنانية؟ متى؟ وما هو السقف الذي يتحمّله قبل أن يفعل؟
فوق ذلك، حضر فجأة إلى بيروت الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية، عاموس هوكشتاين، الذي كان هنا قبل أسابيع وأعلن بدء التحضير لمفاوضات حول الحدود البرية. وخصوصية هوكشتاين ليست فقط في كونه منتمياً إلى الطاقم الأميركي الأقرب إلى إسرائيل، بل أيضاً في كونه قد نجح في بناء جسر اتصال عبر الوسطاء مع “الحزب” والبيئة المحيطة به. وفي زيارته الأخيرة، وزّع صوراً له، مع السفيرة دوروثي شيا، يرتاح في مقهى في عين المريسة ويسوح في قلعة بعلبك.
عملياً، في الأيام الأخيرة، قامت إسرائيل باستفزاز لـ “الحزب” لا يمكن أن يتقبّله، لأسباب كثيرة. وأما زيارة هوكشتاين التي أراد فيها الطلب من “الحزب” التزام الهدوء مهما ارتفع لهب الحرب في غزة، فعلى الأرجح لم تغيّر شيئاً في موقفه، لأنّ المحور الذي تقوده إيران ويضمّه و»حماس» متماسك جداً، ولا يمكن لأي من أطرافه أن يتخلّى عن الآخر. فخسارة الجزء هنا هي خسارة للكل.
وعلى الأرجح، سيؤكّد نصرالله في خطابه غداً أنّ ما أعلنه قبل 6 أيام كان دقيقاً وغير قابل للتأويل، وأنّ من غير المناسب أن تقوم إسرائيل باختبار مدى التزامه، لأنّ استعداد “الحزب” للمواجهة جنوباً جدّي تماماً.
يقول بعض المراقبين: إذا توقفت حرب غزة الآن، فإنّ أي رصاصة لن تُطلق في منطقة الحدود في جنوب لبنان. وعلى العكس، إذا باشرت إسرائيل تنفيذ خطتها اجتياح غزة، فبالتأكيد، ستندلع مواجهات واسعة في الجنوب اللبناني. ولكن، ماذا لو كان خيار إسرائيل هو حرب الاستنزاف البطيئة، والتي قد لا تكون معلنة، وتتخللها جولات لا تنتهي من المفاوضات الفاشلة؟
حينئذٍ، لا أحد يستطيع تقدير مستوى السخونة التي سيجد «حزب الله» أنّها مناسبة في الجنوب، دعماً لحليفه الفلسطيني في غزة. فربما يتأرجح وضع الجنوب بين الاستقرار والتفجير. ويعني ذلك أنّ دخول غزة في حرب استنزاف سيؤدي إلى دخول الجنوب في حرب مماثلة.
ومن القواعد التي يعرفها العسكريون أنّهم مهما حاولوا التزام الضوابط، فإنّ الحرب، عندما تندلع، تصبح فالتة إلى حدّ كبير، إذ تطرأ عليها عناصر لم تكن محسوبة.
ولذلك، إذا أرادت إسرائيل تنفيذ خطة الاستنزاف لفترات طويلة نسبياً، فإنّ إيران لن تقبل بهذا الوضع الذي سيقود في شكل متدرّج إلى هزيمة «حماس». ولذلك، ستؤدي محاولات إسرائيل إلى مخاطرة شبه مؤكّدة بتفجير الوضع هناك في لحظة معينة، ومعه تفجير الوضع في لبنان والعديد من دول الجوار التي تستطيع فيها إيران أن تتحرّك، وتحديداً سوريا والعراق واليمن.
ولذلك، خلاصة رسالة نصرالله المنتظرة، والموجّهة إلى الولايات المتحدة في الدرجة الأولى، ستكون الآتية: لا تظنوا أننا سنغرق بالمساعي الديبلوماسية ونقف مكتوفين. فخديعة استفراد «حماس» لن تمرّ. أخبِروا الإسرائيليين بذلك، قبل أن يتورطوا أكثر في غزة ولبنان.