كتب معروف الداعوق في “اللواء”:
مؤشران بارزان، يعكسان تعايش الوسط السياسي باكثريته مع الفراغ الرئاسي القائم منذ عام، مع تراجع ملحوظ بالخطاب السياسي العام، للمطالبة والالحاح بتقديم الانتخابات الرئاسية، على ماعداها من ملفات وازمات متراكمة واستحقاقات اخرى، بالرغم من اهمية انتخاب رئيس جديد للجمهورية في الوقت الحاضر، وتشكيل حكومة جديدة تواكب العهد، لاعادة الانتظام العام للدولة، وحركة النهوض بالبلد بشكل عام.
المؤشر الاول، لوحظ تغييب ملحوظ للشان السياسي الداخلي عن الاطلالة التلفزيونية الاولى والثانية للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله مؤخرا، وتركيزه على مجرى الحرب التي تشنها قوات الجيش الاسرائيلي ضد الفلسطينيين في قطاع غزّة، والمواجهات التي تجري بين الحزب والقوات الإسرائيلية على الحدود اللبنانية الجنوبية، با ستثناء اشادته بالتضامن الداخلي لدعم غزة، ما يعني ضمنا ان ازمة انتخاب رئيس الجمهورية، مستمرة وهي ليست من أولويات الحزب، باعتبار ان التركيز حاليا، هو على هذه الحرب وانعكاساتها ونتائجها، أكثر من أي أمر آخر، بالرغم من اهمية اجراء الانتخابات الرئاسية في الوقت الحاضر.
المؤشر الثاني، تراجع الوسط السياسي باكثريته عن المطالبة الملحة والمتواصلة باجراء الانتخابات الرئاسية، والانتقال للاهتمام بملفات اخرى، لاتتقدم على ملف الانتخابات الرئاسية وفي مقدمتها التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون في منصبه لعام واحد بعد انتهاء مهامه، وهذا يدل على قناعة باستحالة اجراء الانتخابات الرئاسية في الوقت الحاضر، ما حتم على العديد من النواب، لاسيما في المعارضة على تركيز اهتمامهم ومشاوراتهم للتمديد لقائد الجيش لعدم افساح المجال امام الفراغ بقيادة الجيش، بدلا من شن الحملات والترويج لانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
اليوم يتخذ حزب الله ذريعة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة والمواجهات العسكرية التي تحصل على الحدود الجنوبية، للاستمرار بتعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية، عملا بمقولة، «لاشيء يعلو فوق صوت المعركة»، وقبلها عطل الانتخابات الرئاسية لمدة عام كامل، مشترطا اجراء حوار يسبق الانتخابات.
وهكذا دواليك، من شرط الحزب، الحوار المسبق لاجراء الانتخابات الرئاسية، الى الانشغال بالمواجهات العسكرية مع قوات الجيش الاسرائيلي، يبقى لبنان بلا رئيس للجمهورية، في حين يبدو ان الوسط السياسي بمجمله، قد سلم بالامر الواقع، ولم يعد يضع الانتخابات الرئاسية في اولويات مطالبه، باعتبارها، ميؤوس منها بالوقت الحاضر.
ولكن بالرغم من تذرع حزب الله بالحرب الإسرائيلية عل قطاع غزة وتداعياتها على لبنان، ومخاطرها المحدقة من كل اتجاه، كان بامكان الحزب انتهاج سياسة التضامن التي عبّر عنها اكثرية اللبنانيين مع الفلسطينين، لانهاء «الفيتو» الذي فرضه على اجراء الانتخابات الرئاسية، وانتهاج سياسة تقارب وانفتاح مع باقي الاطراف السياسيين، ولاسيما المعارضين منهم، وتقديم التسهيلات المطلوبة، لتحقيق انتخاب رئيس جديد للجمهورية بأسرع وقت. وبهذ التصرف كان بامكان الحزب نفض يديه من تهمة التعطيل واظهار حرصه ونواياه السليمة على انتخاب رئيس الجمهورية ومصالح اللبنانيين عموما في هذه الظروف الصعبة والمعقدة التي تمر بها المنطقة.
ولكن ما يفعله الحزب حاليا، بتعطيل الانتخابات الرئاسية، ولو بذريعة اهتمامه بمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان هذه المرة، يعاكس ما يريده معظم اللبنانيين بانتخاب رئيس للجمهورية، ويزيد من حمى الاتهامات ضده، وبأنه يضع هذا الملف في مهب مقايضات النظام الايراني ومصالحه مع الولايات المتحدة الأميركية، على حساب الأضرار بلبنان ومصالح اللبنانيين.