كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
ربما كان أهمّ ما ميّز القمة العربية- الإسلامية الاستثنائية في الرياض، هو حضور الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي، وفي حضرته صدر البيان الذي على أساسه تمّت الدعوة إلى السلام العادل والشامل وتطبيق كل القرارات الدولية، كما طالب العرب والمسلمون، على حدٍّ سواء، بحلّ الدولتين. ليس أهمّ من القمة العربية الإسلامية المشتركة، إلا تلك الصورة التي جمعت رئيسي بولي العهد السعودي محمد بن سلمان على هامش القمة. لقاءٌ لرجلين له أن يرسم معالم المرحلة المقبلة في المنطقة، ومن شأنه أن «يُدوزن» حرب الساحات الموحّدة ويضبط إيقاعها على وقع الديبلوماسية المرنة.
لم تحقّق القمّة نجاحات باهرة في المضمون الذي لم يرتقِ إلى مستوى القرارات المأمولة، أقله في فتح المعابر أمام المساعدات لأهالي غزة وإسعافهم، ولم يلوّح بتجميد العلاقات مع إسرائيل أو سحب التمثيل الديبلوماسي. وليس جديداً أن تحول الخلافات الداخلية دون بلوغ القمة المطلوب والمرتجى، فهي نجحت في الشكل وأخفقت في المضمون.
في حضور رئيسي وغيره من رؤساء الدول العربية والإسلامية، نالت السعودية تفويضاً عربياً وإسلامياً، وحضوراً أكبر في الملف الفلسطيني، وتسيّدت الوسطين العربي والإسلامي في مسعى لم يكن ابن ساعته، بل نتيجة تراكم جهود على مستوى الانفتاح والتفاوض.
ولي العهد محمد بن سلمان الذي حقّق نجاحات في الداخل السعودي، أطلقت يده عربياً وإسلامياً ليكون القائم الأساسي للحلّ، ومن بوابة غزة دخل إلى القضية الفلسطينية ليعبر منها إلى مجمل ملفات المنطقة وليعيد إرساء سياسات أكثر توازناً للساحات في العراق ولبنان وأكثر انفتاحاً على سوريا. وهذا ما لفتت إليه مصادر ديبلوماسية في نيويورك رصدت قمة الرياض ورأت في دور السعودية عاملاً جيداً على مستوى المشهد العام العربي والتوازنات في منطقة الشرق الأوسط.
وبعدما كانت المنطقة شهدت اختلال التوازن في تراجع حضور المكوّن السنّي، رسّخت القمة حضور شخصية سنية جديدة اسمها محمد بن سلمان ما يجعل البعض يتفاءل في أنّ طريق الحلول بات أقرب بعدما سلكت المباحثات طريقها الصحيح بدليل عودة العلاقة السعودية بإيران وسوريا.
وبناءً عليه، تتوقع المصادر أن تكون الحلول للمنطقة ولبنان سريعة، وقد تكون مسألة توقيت وليست مسألة بحث ومفاوضات. من الوجهة الديبلوماسية هي عودة مفيدة للخصوم والأصدقاء، خصوصاً أنّ الإيراني أثبت أنه لا يستطيع بمفرده أن يكون المقرّر في شؤون المنطقة، بإمكانه أن يعطل، ولكنّه في الحلّ يحتاج إلى شريك سني اقتصادي وسياسي، وهنا أهمية حضور رئيسي القمّة وأبعاده.
ديبلوماسياً، جاء مضمون بيان القمّة مبرراً، لوجود دول تربطها علاقات بإسرائيل سواء أكانت عربية أم إسلامية، ومن الطبيعي ألا تكون اللغة المستخدمة في الشؤون الإقليمية مشابهة للغة المحلية، لأنّها لا تقتصر على توصيف أجندة وطنية، بل تعكس مصالح إسلامية وعربية، وقد لا يقع في مصلحة دول عدة التلويح بقطع العلاقات أو وقف التعامل التجاري أو غيرهما من الخطوات التصعيدية، والإيجابي أنها حافظت على الإدانة والشجب. وتمضي المصادر قائلة «ليس سهلاً توقيع 57 دولة كبرى على بيان فيه من الشجب والإدانة وتحميل المسؤوليات ما يكفي لكي لا تفرض لغة الصراع على هذه الدول ومنها لبنان وسوريا، وتعيد التمسّك بمقرّرات مؤتمر بيروت للسلام عام 2002 وقرارات الشرعية الدولية، وإعادة سوريا إلى الحضن الدولي، وهذا ما يؤكد أنّه وبعد لحظة الحرب هناك لحظة ديبلوماسية فاصلة لعجر الفريقين عن الحسم لمصلحة أي منهما نهائياً، وفي نهاية الأمر الكلّ محكوم بتوازن الساحات».
ورغم التصعيد الآخذ في التمدّد، تؤكد المصادر الديبلوماسية أنّ البحث بدأ بطبيعة مرحلة ما بعد حرب غزة والتي يقرّرها الميدان وحده بالمفهوم العسكري، فالسيناريو الرابح تحدّده موازين القوى، ولذا حرص البيان الختامي للمؤتمرين على إعادة تعويم السلطة الفلسطينية وتجنّب ذكر الحركات المقاومة بالاسم، وإن لم يدن عملها. وذلك وسط حديث عن تحرير مروان البرغوتي بعد عشرين عاماً قضاها في سجون الاحتلال ليتسلّم خلفاً للرئيس محمود عباس بصفته شخصية مرضياً عنها من كل الأطراف خلافاً للشخصيات الموجودة حالياً، ولكن من غير الواضح إذا ما كان بإمكانه تسلم مسؤولية بهذا الحجم بالنظر إلى كل تلك الفترة التي قضاها في سجنه.
طروحات عدة على طاولة التفاوض للمرحلة المقبلة ودول عدة تبدي رغبتها في المبادرة كالنروج أو الهند. فالبلدان يبحث عن آفاق دور إيجابي للحلّ، وكان بارزاً أنّ الهند كانت من الدول التي امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن ضد إسرائيل كي لا تبدو طرفاً. لكن أي مبادرة لن تحصل قبل أن يرحل نتنياهو وتجرى انتخابات تفرز قيادات أكثر توازناً وأقل عنصرية وأكثر قبولاً وتسليماً بالشرعية الدولية وهو ما يجري البحث فيه.