كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
يتقدّم تأجيل تسريح قائد الجيش العماد جوزف عون من الخدمة العسكرية لبلوغه سن التقاعد، في العاشر من كانون الثاني المقبل، على ما عداه من اقتراحات قوانين لملء الشغور في المؤسسة العسكرية، التي تتراوح بين طلب نواب «اللقاء الديمقراطي» رفع سن التقاعد لكل العاملين في القطاعات الأمنية والعسكرية من أدنى رتبة عسكرية إلى أعلاها، وبين التمديد للعماد عون باقتراح تقدّم به نواب كتلة «الجمهورية القوية» (حزب القوات اللبنانية)، فيما يعتزم عدد من النواب السنّة المستقلين التقدّم بعريضة نيابية تقضي بأن يشمل التمديد المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان الذي يحال إلى التقاعد في أيار المقبل.
وفي المقابل، يتموضع «التيار الوطني الحر» برئاسة النائب جبران باسيل، خارج هذه الاقتراحات، ويطالب بتعيين قائد جديد للجيش خلفاً للعماد عون، ورئيس للأركان ومديرين للإدارة العامة والمفتشية العامة (شغرت بتقاعد شغاليها)، على أن يصدر تعيينهم عن مجلس الوزراء بمرسوم جوال يوقّع عليه جميع أعضاء الحكومة.
ويكاد باسيل يغرّد وحيداً في اقتراحه ولا يجد حتى الساعة من يؤيده، خصوصاً أنه باقتراحه هذا يخالف موقف «التيار الوطني الحر» برفض التعيينات بغياب رئيس الجمهورية، واضطر للخروج عن قراره، كما يقول مصدر وزاري بارز لـ«الشرق الأوسط»، لإبعاد العماد عون من لائحة المتسابقين إلى رئاسة الجمهورية مع ارتفاع حظوظه عربياً ودولياً ومحلياً من جهة، ولحشر حليفه اللدود «حزب الله» في الزاوية في محاولة لجره إلى مقايضة إبعاد عون بالوقوف إلى جانبه في تصدّيه لإسرائيل في جنوب لبنان من ناحية ثانية.
ويأتي تقدّم تأجيل تسريح العماد عون على ما عداه من اقتراحات معطوفاً على الأجواء الإيجابية التي سادت لقاء نواب المعارضة برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي أكد لهم سعيه الدؤوب لمنع الشغور في قيادة الجيش، خصوصاً في ظل الظروف الاستثنائية التي يمر فيها لبنان والناجمة عن استمرار العدوان الإسرائيلي على أراضيه، والتي تتطلب منا بلا أي تردد الحفاظ على الاستقرار في المؤسسة العسكرية وعدم تعريضها إلى أي اهتزاز يمكن أن يرتد سلباً على السلم الأهلي.
وكشف عدد من النواب الذين شاركوا في اللقاء مع الرئيس ميقاتي أنه يحبّذ تأجيل تسريح العماد عون من الخدمة العسكرية، وأكدوا لـ«الشرق الأوسط» أنه تم التوافق على مبدأ تأجيل التسريح الذي يسعى له رئيس الحكومة.
ولفتوا إلى أنهم اقترحوا تأجيل تسريحه لعام واحد، لكن الرئيس ميقاتي ارتأى خفض المدة إلى 6 أشهر لقطع الطريق على من يحاول التعاطي مع التأجيل وكأن الأمور ماشية في البلد بغياب رئيس الجمهورية، مع أن انتخابه يتصدّر جدول أعمالنا لإعادة الانتظام إلى المؤسسات الدستورية كمدخل لتشكيل حكومة تأخذ على عاتقها ملء الشغور في إدارات ومؤسسات الدولة وتحقيق الإصلاحات المطلوبة للانتقال بالبلد إلى مرحلة التعافي المالي، لأن هناك ضرورة لمنع تدحرجه نحو الانهيار الشامل.
وأبلغهم الرئيس ميقاتي بأنه ينتظر الفرصة المناسبة للتقدّم من مجلس الوزراء، ومن خارج جدول أعماله، باقتراح يقضي بتأجيل تسريح العماد عون، مضيفاً أنه يجري مروحة من الاتصالات بغية تحضير الأجواء أمام الحكومة للتصويت على الاقتراح.
وبدا الرئيس ميقاتي وكأنه مرتاح إلى موقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي يتواصل معه باستمرار من دون أن يدخل في التفاصيل، رغم أن الأخير كان أكد أمام زوّاره بألا مجال للشغور في المؤسسة العسكرية، ويعتبر أن الحفاظ على استقرارها وتماسكها من الثوابت التي لا يمكنه التفريط بها.
ومع أن الرئيس بري يحتفظ لنفسه بكلمة السر، مكتفياً بالتأكيد على استمرارية المؤسسة العسكرية وتحييدها عن التجاذبات السياسية، فإن «حزب الله» لا يزال يلوذ بالصمت ويرفض نوابه التطرق إلى موضوع التمديد لقائد الجيش ويمتنعون عن الحديث سلباً أو إيجاباً بكل ما يتعلق بالتمديد، وإن كان باسيل يتطلع إلى حشرهم في الزاوية.
كما أن الرئيس بري الذي التقى الاثنين النواب الأعضاء في كتلة حزب «القوات اللبنانية» يبدي تفهماً لدعوتهم لعقد جلسة نيابية تشريعية وعلى جدول أعمالها بند وحيد يتعلق باقتراح القانون الذي تقدموا به ويقضي بالتمديد للعماد عون، مع أنهم يؤيدون طلب المعارضة تأجيل تسريحه من الخدمة العسكرية وكانوا شاركوا في اجتماعهم برئيس الحكومة. ونقل عنه استعداده لإدراجه بنداً أول من ضمن بنود تأتي تحت عنوان صفة المعجل المكرر والتدخل في الوقت المناسب في الشهر المقبل في حال أن الحكومة لم تحسم أمرها في هذا الخصوص.
فحزب «القوات» لا يمانع، كما يقول نائب معارض لـ«الشرق الأوسط»، بأن يعيد النظر في موقفه في حال أن تأجيل التسريح أُنجز من قبل الحكومة، لأنه بذلك قد يكون توصل إلى ما يريده من وراء مبادرته للتقدم باقتراح قانون معجل مكرر لا يتعارض بالمضمون مع تأجيل التسريح.
لذلك، فإن باسيل يبقى يغرد وحيداً حتى إشعار آخر في إقصاء العماد عون من قيادة الجيش إلى حين مبادرة الثنائي الشيعي إلى تظهير موقفه بصورة رسمية منعاً للاجتهاد في تفسيره بأنه يصب لمصلحته، خصوصاً بعدما أعاد زعيم تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية النظر في موقفه بعدم امتناعه عن تأييده للتمديد له، بخلاف ما كان اتفق عليه مع باسيل لدى زيارة له في بنشعي، وهذا ما ينسحب أيضاً على اجتماعه برئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب تيمور جنبلاط الذي يأتي من موقع الخلاف في الموقف من قائد الجيش.
كما أن «التقدمي» من خلال كتلته النيابية ليس في وارد ربط التمديد للعماد عون بتعيين رئيس جديد للأركان، لأن ما يصبو إليه عدم إقحام المؤسسة العسكرية في حالة من الشغور في ظل الظروف الطارئة والأكثر من استثنائية التي يمر بها لبنان.
ويبقى السؤال كيف سيتصرف الثنائي الشيعي في ظل المواقف المؤيدة للتمديد للعماد عون، التي لا تقتصر على رأس الكنيسة المارونية وتمتد إلى الفاتيكان والدول الفاعلة المعنية بالحفاظ على الاستقرار في لبنان، خصوصاً وأن غالبية السفراء من عرب وأوروبيين، إضافة إلى السفيرة الأميركية، يدرجون إبقاء العماد عون على رأس جدول أعمال لقاءاتهم أكانت رسمية أو سياسية.
فتأجيل تسريح العماد عون لا يمكن أن يسلك طريقه إلى بر الأمان ما لم يقل الثنائي الشيعي كلمته في الوقت المناسب، كونه يشكل الممر الإلزامي لوضع الرغبة بتأجيل تسريحه موضع التنفيذ، باعتبار أن المفتاح السياسي لتأمين النصاب لمجلس الوزراء لإقراره يبقى بيده.