كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:
تتخطّى المداولات السياسيّة بين عواصم القرار فرض وقفٍ لإطلاق النار في غزة، وتبادل الأسرى المدنيين بين «حماس» وإسرائيل، لتطال البحث الجدي في مستقبل المنطقة ودور القوى الإقليميّة وحدود نفوذ كلٍّ منها، إنطلاقاً من غزة «الجديدة».
وأمام إعادة ترتيب الخارطة الجغرافيّة – السياسيّة في الشرق الأوسط، توقفت مصادر سياسيّة متابعة عند موقع النظام العربي القديم ودوره في ظلّ رهان تركيا وقطر على تعزيز دور «الجماعة الإسلاميّة»، في موازاة تنامي النفوذ الإيراني عبر الحوثيين في اليمن، و»الحشد الشعبي» في العراق ونظام الأسد في سوريا، و»حزب الله» في لبنان، كما حركة «حماس» في فلسطين.
وفي محاولةٍ لمقاربة تداعيات الأحداث التي خلّفتها عمليّة «طوفان الأقصى»، تم التوقّف عند بعض الوقائع التي عمدت بدورها إلى تغيير الصورة النمطيّة في أذهان اللبنانيين والعالم، من بينها:
1 – إنشطار الرأي العام العالمي إلى شطرين: الأول، مترسّخ في الدول الغربيّة (ولو بدأ يتغيّر)، ويعتبر أنّ الأعمال العدائيّة التي تقوم بها إسرائيل تأتي في إطار ردّة الفعل الحتمية لإستهداف «حماس» المدنيين في إسرائيل فجر 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
في حين، يبرز في المقلب الآخر، تيارٌ عربي – إسلامي كبير، يعتبر أنّ جذور الحرب تعود إلى 15 أيار 1948، أي إلى ما يزيد عن 75 عاماً، وتشكّل عمليّة «طوفان الأقصى» محطّة طبيعيّة على طريق النضال الطويل، وتعكس إرساء المقاومة في أذهان الأجيال الفلسطينيّة المحرومة من حقوقها منذ زمن.
2 – إنهيار السرديّة الإيرانية، مع انكفاء إيران عن مساندة «حماس» بشكل مباشر في الجبهة، رغم تبجّحها بتحكمها ووجودها في أربع عواصم عربيّة، والمطالبة بتحرير فلسطين من أجل كسب ودّ البيئات العربيّة الحاضنة لتمدّد أذرعها العسكريّة، مع الإستعاضة عن فتح جبهتي الجولان المحتل وجنوب لبنان، بمناوشات جانبيّة لا تصبّ في الهدف المركزي المعلن، ألا وهو تحرير فلسطين.
3 – ترسيخ قدرة القوة العسكريّة الأميركيّة أو فائض قوتها وأسطولها الحربي، على ضبط جنوح قوى الممانعة والتحكّم بـ»عنتريات» دول كبيرة طالما سعت إلى بلورة تحالفٍ للتصدي للأحادية التي تنتهجها الولايات المتحدة الأميركية في العالم. وذلك مع غياب الصين عن الأحداث في المنطقة، ومن خلالها غياب القدرة على إنضاج تحالف يضمّها إلى روسيا وإيران وآخرين والتصدي لنفوذ وسياسات أميركا في المنطقة.
4- بروز آفاق وفرص، من شأنها أن تخوّل الدول العربيّة والفلسطينيين الإستعاضة عن إنهيار «السردية الإيرانية»، بإستعادة المبادرة في المنطقة، وصياغة نظام مصلحة عربي، متحرر من الإملاءات والمزايدات الإيرانية، والدفع باتجاه إحلال السلام في المنطقة، بإقرار حلّ الدولتين في فلسطين، وضمان مصالح الشعوب العربية في لبنان وسوريا والعراق.
وإلى حين اتضاح تداعيات الحرب على المنطقة، بُعَيد إستبعاد تمددها خارج قطاع غزة، سجّل المتابعون دوراً غير مباشر لإيران يصبّ في مصلحة إسرائيل بالحدّ من إشعال الجبهات. وهذا ما شكّل أرجحيّة لها في حجز موقعٍ متقدّم لها خلال إعادة بلورة خارطة النفوذ في المنطقة، ما لم تعمد الدول العربيّة إلى إستعادة عروبة القضيّة الفلسطينيّة و»أبوتّها»، وذلك وسط غياب لبنان الرسمي عن القيام برسالته، والعمل على ردم الهوّة مع الدول الغربيّة على أبواب زيارة الحبر الأعظم البابا فرنسيس إلى أبو ظبي في 1 كانون الأول، ولقائه رؤساء وملوك الدول العربيّة والإسلامية، وترجيح لقائه شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب والقادة المشاركين في مؤتمر الدّول الأطراف في اتفاقيّة الأمم المتّحدة الإطاريّة في شأن تغيّر المناخ (COP28) في دبي في 3 كانون الأول.