كتب حسين زلغوط في “اللواء”:
تكثر التساؤلات في هذه الآونة على كافة الأصعدة في لبنان والخارج، حول ما إذا كان الوضع في الجنوب سيبقى على معادلته العسكرية والميدانية الموجودة حاليا بين «حزب الله» وإسرائيل أم ان الوضع قد يفلت من عقاله في أية لحظة؟
من الواضح حتى هذه اللحظة أن ما من أحد في هذا العالم يملك الجواب الحاسم على هذه التساؤلات، وان أي متابعا لمسار التطورات الأمنية يرى بأن الأمور مرهونة بوقتها، بمعنى اننا نعيش على المستوى العسكري كل يوم بيومه، وهذا ما عناه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بقوله ان الأمور متروكة للميدان، فالمقاومة التي دخلت الحرب مع العدو الإسرائيلي في اليوم التالي الذي أعقب عملية «طوفان الأقصى» تتعامل مع هذه الحرب وفق المقتضى، فهي التي تقدّر متى ترفع من منسوب المواجهة، ومتى تخفّض من هذا المنسوب، فهي الى الآن تملك زمام المبادرة، لكنها لم تأخذ القرار بتطوير العمليات العسكرية على الحدود على شاكلة الدخول الى المستوطنات الإسرائيلية في الجليل، وان كان هذا الموضع بندا رئيسيا في جدول أي مواجهة واسعة. وفي هذا السياق تؤكد مصادر عليمة ان الوضع في الجنوب ما تزال تتحكّم به ضوابط معينة وتحول دون توسّع إطار المواجهات، غير ان هذا الوضع قابل لأن يتغيّر في أية لحظة، كون ان العدو الإسرائيلي مستمر في استفزازاته وتهديداته ظنّاً منه ان ذلك قد يجرُّ «حزب الله» الى مواجهة واسعة، وهو أمر تتنبّه إليه قيادة المقاومة التي تعي ما تقوم به، وهي لن تعطي العدو الإسرائيلي الفرصة في تحديد آلية المواجهة والشكل التي تتخذه.
وفي تقدير المصادر ان المقاومة في الجنوب هي الآن من يتحكم بزمام المبادرة، بينما القيادة العسكرية في إسرائيل مشتتة الذهن ومربكة وهي تتصرف كمن يلفّ الحبل حول عنقه ظناً انه طوق نجاة، ولا سيما انها أيقنت منذ ان اتخذت القرار بالاجتياح البري في غزة بأنها علقت في رمالها المتحركة، فلا هي قادرة على الاستمرار والحسم، ولا هي قادرة على الانسحاب، لأن ذلك سيؤثر كثيرا على هيبة الجيش التي تشظّت الى أبعد الحدود.
وإذا كانت إسرائيل قد حشدت عشرات الآلاف من جنوده عل الحدود مع لبنان، مدعمين بترسانة من الأسلحة والقبب الحديدية على الجبهة مع الجنوب، فإن المصادر تؤكد بأن المقاومة لم تستخدم واحد بالمئة من قوتها العسكرية، وقد ألحقت بالجيش الإسرائيلي هذا الكم من الخسائر البشرية والمادية، وهي من خلال استهدافها الكاميرات الموضوعة على طول الحدود، وكذلك مواقع التجسس جعلت الجيش الإسرائيلي في هذه المناطق أشبه بالأعمى، ولذا لجأت إسرائيل للتعويض عن ذلك باستخدام القنابل الفوسفورية لإحراق أكبر قدر من الأحراج في أماكن المواجهة ظنّاً منها انها بذلك تستطيع كشف تحرّكات عناصر المقاومة واستهدافهم وهو ما لم يتحقق بالتأكيد، ولذا هي تتصرف كالثور المجروح الهائم على وجهه ولا يدري الى أية جهة يذهب.
وتؤكد المصادر ان الضغط الأميركي المستمر يوميا في سبيل عدم اتساع رقعة الحرب، ليس ناجما عن رغبة أميركية بتجنيب لبنان الدمار والخسائر، بقدر ما هي ضغوطات ناجمة عن تقديرات أميركية صحيحة بأن اتساع الحرب في الجبهة الجنوبية لن يكون في صالح إسرائيل على الإطلاق، كما انه سيؤثر كثيرا على القواعد الأميركية في المنطقة، لأن حصول المواجهات على نطاق واسع سيحرّك أكثر من جبهة تحت عنوان وحدة ساحات المقاومة، ولذا فان الإدارة الأميركية التي أعطت الضوء الأخضر للحكومة الإسرائيلية في حربها على غزة، لن تعطيها إياه في الحرب على لبنان، للأسباب آنفة الذكر، وان السفيرة الأميركية تقضي معظم أوقاتها في إجراء الاتصالات يميناً وشمالاً تتضمن تحذيرات من مغبة تطوّر الأمور أكثر في الجنوب اللبناني.
وتلفت المصادر النظر الى ان إطالة أمد الحرب في غزة، والقلق المتزايد من جبهة الجنوب، يفاقم الأزمة الاقتصادية في إسرائيل، حيث يقال ان خسائر تل أبيب من جرّاء الحرب هي مليار دولار يوميا موزعة بين ثمن للصواريخ والترسانة العسكرية التي تستخدم على الجبهة، وبين الخسائر التي تصيب القطاع الاقتصادي المشلول على كل الصعد، وأن الأربعة عشر مليار دولار التي منحتها واشنطن لتل أبيب هي نقطة في بحر الخسائر، وهذا الأمر في حال تفاقمه أكثر سيتسبب في بعثرة الساحة الداخلية في إسرائيل، بما يربك رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الذي يفتش الآن على من ينزله عن الشجرة.