كتبت ميريام بلعة في “المركزية”:
لا تزال المشكلات التي تعوق القطاع الزراعي في لبنان عالقة على حبال القرار السياسي الذي بيده الحلّ والرّبط… فالرسم الضريبي الذي تفرضه السلطات السورية على خطوط الترانزيت البري الذي طالما اشتكى المزارع اللبناني منه، لا يبرح يشكّل العبء الأكبر على كاهله. هذا معطوفٌ على إقفال السوق السعودية أمام منتجاته، كما أن المرور في أراضيها كخط ترازيت لا يزال ممنوعاً أيضاً.
المزارع إذاً متروك لقدَره… فكيف لو انجرّ لبنان إلى حرب لا يرغب فيها، عندها ماذا سيحلّ به وبمزروعاته، فيما هو مُنهَك أساساً؟!
“لا نطالب اليوم بحلول لكل تلك القضايا العالقة، كونها تبقى صغيرة أمام مصير وطن عالقاً على تهديدات ساخنة بحرب مفترضة شاملة نتمنى تجنّب كأسها المرّ” يقول رئيس تجمّع مزارعي وفلّاحي البقاع ابراهيم ترشيشي لـ”المركزية”.
ويشير إلى أن “المزارع اللبناني في وضع لا يُحسد عليه…إنه يعاني اليوم حالة من الاضطراب والقلق وعدم الاستقرار حيث لا أمل في الغد ولا طموح بالمستقبل… لا شيء يشجّعه على الاستثمار سوى الرغبة الذاتية وحبّه للزراعة”.
ماذا لو حصلت الحرب لا محالة؟ فيُجيب: عندها، ليس أمام المزارع سوى الصمود والبقاء في أرضه… بالطبع ليس هناك خطة جماعية ولكن المزارع اعتاد على الظروف الصعبة فقد تدجّن أمام الصعوبات. لقد عايش حروباً عديدة على مرّ السنوات، واجهها المزارع بصمود واستنتج منها أمراً واحداً هو أن المزارع الذي صمد في أرضه هو الذي استفاد في نهاية المطاف…
وكأنه يسطّر للمزارع بسالته في الحفاظ على “سهله الأخضر”، يقول “على رغم القصف العنيف الذي تتعرّض له بعض المناطق الجنوبية، لا يزال المزارع الجنوبي صامداً ومتشبثاً في أرضه حيث نرى أن قطاف البساتين لا يزال مستمراً، من الموز والأفوكا والزيتون… حتى على التخوم الفاصلة عن الأراضي المحتلة. علماً أن مئات الدونمات من الأراضي الزراعية اللبنانية المثمرة وغير المثمرة، احترقت بالقذائف الفوسفورية الإسرائيلية، وكانت مواسم الزيتون الأكثر تضرراً”، لكنه يعقّب “كل ما ينأى عن الأرواح يمكن تعويضه وتجديده”.
…”هناك تضحيات سيبذلها المزارع بالتأكيد وسيدفع ضريبة الحرب لا محالة” يؤكد ترشيشي، ويُضيف: قد يتعرّض المزارع اللبناني على الأراضي اللبنانية كافة، للخطر هو وآلياته ومنشآته… لكن بمتابعته لمزروعاته ومنتوجاته واستمراريّته يؤمّن لعمله وقطاعه النجاح الدائم والإنتاجية… من هنا، المطلوب من المزارع الصمود والتشبث بأرضه كي يبقى ينتج لشعبه اللبناني وأسواقه المحلية، وألا يخرج من “الدورة الزراعية” التي تتجدّد إما سنوياً أو كل ستة أشهر.
أسواق الجنوب..
في المقلب الآخر، يطمئن ترشيشي إلى أن “المنتجات الزراعية تصل إلى كل الأسواق ومنها أسواق الجنوب على كامل مساحته، على رغم القصف الذي يتعرّض له بعض المناطق… فالبضائع موجودة في كل الأسواق بما فيها مدينة صور القريبة من الشريط الحدودي”.
وعن خطة الطوارئ الزراعية، يقول: تتحدث الحكومة عن خطط طوارئ في حين أن “فاقد الشيء لا يُعطيه”. فالإفلاس يضرب ميزانيّة الدولة وبالكاد تسدّد رواتب ومعاشات القطاع العام! لكن ما يقوّينا أن المزارع لا يتهرّب من دوره في أقسى الظروف، بل يصمد ويدافع عن أرضه ويبقى ينتج ويلبّي السوق المحلية لإطعام الشعب اللبناني في أسوأ الظروف… ونلاحظ اليوم أن كثيراً من المنتجات الزراعية، يبيعها المزارع بسعر أدنى من كلفة إنتاجها. هذا قَدَر المزارع: التضحية والصمود والاستمرارية…
إن حالة الطوارئ “تتطلب إمكانات مادية وأموال وأكلاف كبيرة” في رأي ترشيشي، “ونحن كمزارعين غير مهيّأين لها وغير قادرين على تأمينها. لكن على رغم ذلك يبقى المزارع الجندي الأوّل الذي يدافع عن أرضه وزراعته، فينتج المأكل لإطعام مواطنيه وأهله في أسوأ الظروف وأصعبها على الإطلاق”.
إذاً، كلمة سرّ واحدة تجمَع المزارعين: الكل سيبقى في أرضه. الكل سيصمد. مهما اشتدت الظروف.. واستعرت الحروب.