كتبت هيام القصيفي في “الأخبار”:
يخوض التيار الوطني الحر معركة معارضة التمديد لقائد الجيش وحيداً. لكنه يتحمّل مسؤولية الوصول إلى هذه النتيجة بعد مسار متعثّر. وعلى مشارف انتهاء المهل، يحاول كسب المعركة، لكنه حكماً ليس مستعداً لأن يخسرها منفرداً.
قد لا يكون تخطّي التيار الوطني الحر مسألة التمديد لقائد الجيش بالسهولة التي يتصوّرها التيار في ظل المعركة التي خاضها حتى الآن، إذ إن موقفه دقيق في التمييز بين العلاقة مع قائد الجيش العماد جوزف عون وعلاقته التاريخية بالمؤسسة العسكرية التي رأسها العماد ميشال عون. كما أنه يقف على مفترق دقيق في معركته لرفض التمديد ولتعيين بديل، من دون أن يكون قد أعدّ العدة الكافية لكليهما. فاستبقه الفريق الآخر في وضع معركة التمديد على رأس الأولويات، وفي توسيع دائرة المشاركين فيها، فيما يتعامل التيار معها على أنها قضية مصيرية تمسّ خصوصيته ومستقبله السياسي وحتى كرامته.
كل يوم يمر من دون تمديد، من مهلة الشهر ونصف الشهر المتبقية من ولاية عون، يُعدّ مكسباً إضافياً في معركة التيار، بقدر ما ينعكس سلباً في خانة قائد الجيش والمؤيّدين للتمديد له. والفريقان يستعجلان حلاً سريعاً خشية أن تذهب أي نقاشات إقليمية إلى تسوية مسألة رئاسة الجمهورية، فيطير ملف التمديد. غير أن العقبات دون اتخاذ موقف نهائي تتوالى، وعلى الطريق يصبح أداء المعركة الحالية محل نقاش.
يقف التيار وحيداً في معارضته التمديد. وإذا كان الموقف ليس جديداً، فإن التيار لم يستفد من تجارب سابقة في خوض معارك مشابهة، سواء تتعلق بالجيش أو بغيره، في عدم تهيئة الأرضية الملائمة لخوض معاركه. فمنذ أن «تقاطع» مع القوات اللبنانية والمعارضة الحزبية وغير الحزبية على المرشح الرئاسي الوزير السابق جهاد أزعور، افترق التيار وخصوم الأمس، من دون أن يبني الطرفان أي قاعدة ثقة بينهما. ولم تتم مواكبة تقاطع المصلحة الرئاسية حول أزعور بما هو أبعد من الملف الرئاسي الذي وصل إلى أفق مسدود. وقد يكون التيار بالغ في عدم التقاط فرصة الالتقاء لتوسيع أطره، كي يشمل ملفات دقيقة، كاستحقاق قيادة الجيش، رغم أنه كان أكثر الملفات حيوية وحساسية في برنامج عمله، علماً أنه شهد نقاشات داخلية حول قائد الجيش وتأييد بعض نواب التيار له، وسلبيات وإيجابيات الوقوف معه أو ضده.
منذ جلسة 14 حزيران الرئاسية في مجلس النواب، وارتفاع أسهم قائد الجيش في الكلام الإقليمي حول رئاسة الجمهورية، سعى التيار إلى فرملة كل محاولات إقناعه، ولا سيما من جانب قطر، بتأييد عون. وفي مقابل إبلاغه حليفه حزب الله أكثر من مرة باستحالة ارتضائه بتأييد عون، بدأ معركة قطع الطريق أمام بقائه في اليرزة. لكنه لم يعمل على تهيئة الأرضية المناسبة للوصول إلى هذه النتيجة، وكأنه في نهاية المطاف كان على ثقة بأن موقف حزب الله سيكون إلى جانبه في استبعاد عون من السباق الرئاسي.
جاءت حرب غزة، وبدأت محاولة استثمارها للتمديد لعون. لكنّ التيار بدل أن يذهب في اتجاه خصومه السياسيين، من خلال جولة سياسية قام بها تحت عنوان تحصين الساحة الداخلية، جال على حلفائه وحلفاء حلفائه، تاركاً المعارضة للقاءات نيابية مشتركة. وغامر في عدم التنبه لخطوة القوات اللبنانية وتلاقيها مع قوى سياسية، في المعارضة وخارجها، على التمديد لقائد الجيش. لم تكن المفاجأة في أن المعارضة ستسلك سبيل التمديد ، إلا أن التيار كان يراهن على احتمال ألا يحصل إجماع بين الكتائب والقوات والمعارضين، كلٌّ لحسابات مختلفة، ومنهم من كان يعارض انتخاب عون رئيساً ويرفض تعديل الدستور من أجله. كل ذلك، يقابله تأمين غطاء بكركي التي وقفت ضد التيار الوطني الحر من دون أي التباس. وهنا يكمن سرّ هذا الإجماع «المحلي» على قائد الجيش، بقوة دفع تعطي ذرائع للخارج عن إجماع حول استمرارية القائد الحالي والحملة المضادة لمنع وصول أي مرشح بديل منه.
في موازاة ذلك، تمكّن التيار، مرة أخرى، من جمع خصومه ضده، فالتقى الرئيس نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي وحتى تيار المردة الذي كان يعوّل التيار على موقفه السابق من قائد الجيش، مع أصوات في قوى 8 آذار، ضد النائب جبران باسيل، بذريعة منع الشغور في مركز قيادة الجيش. وفي وقت ميّز الحزب التقدمي الاشتراكي نفسه نظراً إلى خصوصية موقع رئاسة الأركان وعدم رغبته برمي المشكلة عندها، لم يتبقَّ للتيار سوى حزب الله. ومرة أخرى يقف التيار موقفاً حاسماً مع الحزب الذي يتفرّج على توالي بالونات الاختبار التي تُرمى يومياً. والحزب كما باسيل أمام خيار الافتراق مجدداً أو تقاطع المصالح، وهو يتحسّب لنتائج أي قرار وانعكاسها على مستقبل العلاقة بين الطرفين، في وقت يقبل لبنان على محطات حساسة في ضوء مرحلة ما بعد غزة. وهذا هو حال مؤيّدي التمديد الذين يتلطّون تحت عناوين سياسية – مسيحية ورئاسية، لكنّ الهدف يبقى تحديداً إلحاق خسارة مدوّية برئيس التيار. والأخير يخوض المعركة بالسلاح نفسه، بعنوان سياسي. لكنها معركة تمسّه شخصياً كما تمسّ رئيس الجمهورية السابق ميشال عون. وهنا يتحوّل ملف قيادة الجيش إلى ملف متفجّر في كل الاتجاهات: بين التيار وحزب الله، وحلفاء الحزب، وبين التيار والقوى المسيحية مجدداً، وبين التيار والمعارضة. وسط هذه المعمعة، لن يتمكّن التيار من أن يكسب ربحاً صافياً وحدَه، لكن في المقابل سيحاول ألا تكون خسارته في اتجاه واحد.