كتب عمر البردان في “اللواء”:
يبدو بوضوح أنّ التصعيد الميداني اليومي الذي يلف مختلف محاور جبهة الجنوب، يعكس ارتفاع منسوب التوتر بين «حزب الله» وإسرائيل اللذين يتبادلان التهديدات بخوض غمار حرب واسعة وشاملة، لا يمكن التكهن بموعدها، وإن تشير التقديرات بأنها مرجحة في أي وقت، بعدما بلغت استعدادات الطرفين مداها الأقصى، وفي ظل حالة الاستنفار الواسعة على جانبي الحدود. وهو أمر يثير القلق من تفجّر الوضع على الجبهة، وإن لا زال هناك من يعتقد بأن الطرفين قد لا يغامران بالدخول في حرب، ستكون تداعياتها أضعافاً مضاعفة عما يحصل في قطاع غزة. الأمر الذي قد يفرض بقاء هذا الستاتيكو القائم، وإن حاول الطرفان، «الحزب» وإسرائيل تجاوز قواعد الاشتباك، لكن بحدود معينة، على غرار ما حصل في الأيام الأخيرة.
ويعيش السكان في منطقة جنوب الليطاني في حالة قلق دائمة من مغبة تطور الوضع الميداني إلى الأسوأ، بعدما طالت الاعتداءات الإسرائيلية العديد من البلدات والقرى البعيدة من الخط الأزرق، في تجاوز واضح لقواعد الاشتباك. في حين أن «حزب الله» أخذ القرار بعد خطابي أمينه العام السيد حسن نصرالله، بالانتقال إلى مرحلة مختلفة من العمليات العسكرية ضد الجيش الإسرائيلي.
وهذا ما ظهر من خلال نوعية الأسلحة الجديدة التي بدأ باستخدامها، والتي ألحقت أضراراً بالغة، بشرية ومادية في صفوف الإسرائيليين، ما يؤشر إلى أن الوضع العسكري في مسار تصاعدي، سيقود حتماً في حال استمراره إلى خروج الأمور عن السيطرة، وانفجار الأوضاع على نحو واسع. وإن كانت الجهود الدولية تعمل من أجل نزع فتيل التوتر في جنوب لبنان، وتالياً تجنيب المنطقة تمدد الصراع.
وسط هذه الأجواء الشديدة التعقيد، وما يمكن أن يترتب عنها من تداعيات تطال المنطقة برمتها، بدأت مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف زيارة إلى الشرق الأوسط تستمر حتى 20 تشرين الثاني الجاري. وخلال الزيارة، تجتمع ليف مع الشركاء الإقليميين لمناقشة الصراع بين إسرائيل و«حماس»، بما في ذلك الجهود المبذولة لضمان عدم تكرار ما يجري مرة أخرى، وزيادة تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة، وإجلاء الرعايا الأجانب، وضمان العودة الفورية والآمنة لجميع الرهائن.
وقد غادرت ليف مع وفد أميركي رفيع المستوى إلى إسرائيل والخليج، بما في ذلك دول الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والكويت وعمان والبحرين، حيث ستحضر حوار المنامة لمناقشة قضايا الأمن الإقليمي وتبادل الاستجابات السياسية. في ظل معلومات عن إمكانية زيارتها بيروت، في إطار مساعي واشنطن لعدم زج لبنان في الحرب القائمة، توازياً مع جهود دولية مكثفة في أكثر من اتجاه لتحييد لبنان، باعتبار أن الخشية موجودة، من أن ينزلق إلى الصراع بين «حماس» وإسرائيل، بالرغم من كل النداءات الداخلية والخارجية لتجنيبه هذه الكأس.
وقد حضر ملف تحييد لبنان في جلسة حكومة تصريف الأعمال، أمس، حيث أكد الرئيس نجيب ميقاتي للوزراء، أنه لمس من خلال لقاءاته الدولية، حرص الكل على لبنان، باعتباره حاجة عربية وضرورة حضارية، ومن هنا كان تشديد الرئيس ميقاتي على ضرورة حماية البلد بالوحدة والابتعاد عن التشرذم. وتوجّه إلى الوزراء بالقول، «بدأ الرأي العام العالمي يتفهم هذا الموضوع الانساني وأبعاد العدوان الاسرائيلي في غزة الذي يستهدف المدنيين والمستشفيات وتدمير كل مقومات الحياة. والقرار الذي صدر عن مجلس الأمن يشكّل بداية لوقف اطلاق النار والسعي الحثيث لتبادل الأسرى المدنيين كمرحلة أولى، تمهيدا للوصول الى وقف نهائي لإطلاق النار». وقد عاد وأكد الرئيس ميقاتي على أن لبنان لا يريد الحرب، ويكفيه ما يعانيه من أزمات، الأمر الذي يتطلب من الجميع وضع مصلحة لبنان أولوية، والتفرغ لمعالجة شؤون الناس الحياتية واليومية في ظل الظروف الصعبة التي يمرون بها.
وفي حين أشارت المعلومات، إلى أن موضوع التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون، سيطرح في جلسة الحكومة المقبلة، في حال تم الانتهاء من الدراسة القانونية التي تعدها الأمانة العامة لمجلس الوزراء، إلى أن الثابت والأكيد أن هذا الأمر في حال حصوله، لن يكون بالتحدي، وإنما نتيجة توافق غالبية الفرقاء السياسيين، بالرغم من المعارضة الشديدة التي تواجهها فكرة التمديد لعون . ولذلك كان تأكيد الرئيس ميقاتي أن «أي قرارا سنتخذه بالنسبة لأي استحقاق داهم سيكون منطلقه بالدرجة الأولى مصلحة الوطن، وأولوية تحصين المؤسسات في هذه المرحلة الدقيقة، وحتماً لن تكون الحكومة ساحة يستخدمها من يريد تصفية حسابات شخصية ومنازعات فردية على حساب المصلحة العامة». في إشارة إلى محاولات رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل عرقلة التمديد لقائد الجيش. وقد أشادت مصادر سياسية بقول الرئيس ميقاتي إلى عدد من الوزراء، على هامش الجلسة، بأن «وزير الطاقة يهدّد بالعتمة إذا لم يسر مجلس الوزراء بمناقصة الفيول، لتكن العتمة وهذه المناقصة لن تمر في مجلس الوزراء».
وكشفت المعلومات لـ«اللواء» أن غالبية مجلس الوزراء يؤيد التمديد لقائد الجيش، لأن البلد لا يحتمل فراغاً ثانياً، في حين يتوقع أن يرفع البطريرك بشارة الراعي من وتيرة اعتراضه على عدم التمديد للعماد عون، وسيكون له موقف عالي النبرة في هذا الخصوص في الأيام المقبلة، لوضع الجميع أمام مسؤولياتهم في ما يتصل بهذا الملف. وقد أشار وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين، إلى «أننا «في حالة حرب، وفي حالات الحرب يجب حماية المؤسسة العسكرية»، فيما أوضح وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي، عقب انتهاء جلسة مجلس الوزراء، أنّ «موضوع قيادة الجيش موضوع حيوي ومهم والمهل باتت أضيق لضرورة بت هذا الأمر، ولكنه يحتاج الى مزيد من التشاور لكي لا يأتي هذا القرار تحديًا». وهذا يؤكد برأي مصادر وزارية أن هناك حرصاً على تحقيق التوافق في موضوع التمديد لقائد الجيش.