كتبت كارولين عاكوم في “الشرق الأوسط”:
تمايز رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط منذ بدء حرب غزّة عن عدد كبير من الأفرقاء اللبنانيين بتأكيده «الوقوف إلى جانب الجنوبيين في لبنان وكل من يتعرض للاعتداء من قبل إسرائيل»، وإعطائه تعليمات لأهل الجبل لاستقبال النازحين. لكن هذه «المواقف الوطنية» التي لاقت ردود فعل إيجابية في بيئة الحزب وحلفائه، قابلتها رسائل واضحة من قبل جنبلاط والقياديين في حزبه لجهة الدعوة لعدم زج لبنان في الحرب، وهو ما يعكس تموضعاً ثابتاً بالنسبة إلى «الاشتراكي» حيال رفض السلاح خارج الدولة، وبالتالي لا ترتبط بالقضايا الداخلية اللبنانية ولا تغيّر منها شيئاً، حسب تأكيد «الاشتراكي».
وكان جنبلاط قد أعلن أنه نصح بشكل رسمي وغير رسمي «حزب الله» بألا يُستدرج الى الحرب، وانتقد كلام رئيس كتلته النيابية محمد رعد عن أنه آن الأوان لزوال إسرائيل، واصفاً إياه بـ«غير المفيد». وقال: «من حقي أن أخاف على المواطن اللّبناني، وفي النهاية إذا كان قدرنا حرباً جديدة، فيجب علينا توحيد أنفسنا وترك السجالات الداخلية التي عشناها في الملف الرئاسي لنتفرغ إلى حماية المواطن»، ومن ثم عاد جنبلاط وأثنى على خطاب الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله وكلامه حول الحرب في غزة وتدخل الحزب، واصفاً إياه بالموزون والواقعي.
ومع تأكيد النائبين في «الاشتراكي» هادي أبو الحسن وبلال عبدالله على أن مواقف الرئيس السابق للحزب هي وطنية بامتياز مرتبطة بالوضع الحالي، ولا تنسحب على القضايا السياسية الداخلية التي يختلف حولها مع «حزب الله»، يعوّل البعض على أن مواقف جنبلاط من شأنها أن تبدّل في طبيعة هذه العلاقة في المرحلة المقبلة. وهو ما يشير إليه المحلل السياسي المقرب من الحزب قاسم قصير بالقول لـ«الشرق الأوسط»: «جنبلاط عاد إلى لغة (الحزب التقدمي الاشتراكي) الأساسية في لحظة مهمة على الصعيد الفلسطيني واللبناني والعربي والدولي، وهو يتماشى اليوم مع الرأي العام العالمي والعربي والإسلامي، وبالتالي من شأن هذا الموقف أن يساعد في تطوير علاقته مع الحزب لاحقاً، ويؤسس لمرحلة جديدة بينهما».
ويقول أبو الحسن لـ«الشرق الأوسط»: «موقفنا ينطلق من المشهد الإقليمي المتفجر حيث تقوم إسرائيل بإبادة غزة، الذي من شأن تداعياته أن تنعكس على باقي الساحات في المنطقة، وسبق أن بعثنا رسائل للحزب لعدم جرّ إسرائيل للمواجهة، وبالتالي ذلك لا يبدّل من مقاربتنا للقضايا الداخلية التي لا تزال كما هي، إنما الوضع الحالي يتطلب تواصلاً مع مختلف الأفرقاء».
الموقف نفسه يعبّر عنه النائب بلال عبدالله. ومع تأكيده على أهمية القضية الفلسطينية المترسخة بالضمير والوجدان بغض النظر عن «حركة حماس» وغيرها، يقول: «منذ أكثر من أسبوعين أعطى رئيس الحزب النائب تيمور جنبلاط تعليماته وبدأنا العمل على خطة طوارئ عبر إنشاء خلايا للأزمة بالتنسيق مع اتحاد البلديات وكل الأحزاب في منطقة الشوف، وعلى رأسها (حزب الله) وحركة (أمل)، حيث نتشارك في اجتماعات دورية، لا سيما أن الحزب يملك الإمكانات اللوجستية اللازمة».
ويجدد عبد الله تأكيد ما قاله جنبلاط بالقول: «من اليوم الأول للحرب تمنى رئيس الحزب ألا نستدرج إلى مواجهة شاملة، لأن لبنان في وضع لا يحسد عليه في غياب مقومات الصمود، ولكن في الوقت نفسه في حال وقعت الحرب سنكون إلى جانب أهلنا، وهذا الشعار بالتأكيد ليس إعلامياً، وهو ما يعكسه العمل على الأرض الذي أنجزناه».
وعما إذا كان يغيّر هذا التعاون من طبيعة العلاقة مع «حزب الله» التي تشوبها خلافات حيال قضايا داخلية عدة من السلاح والانتخابات الرئاسية وغيرها، يؤكد عبد الله: «موقفنا وطني بامتياز، وليست له علاقة بالحسابات السياسية الكبرى، ولا ينعكس على موقفنا من القضايا الداخلية»، مضيفاً: «لا يزال موقفنا نفسه حيال ضرورة التقارب والتوافق لانتخاب رئيس للجمهورية، وإن كنا نتمنى أن يتجاوز الجميع هذه الانقسامات وننجز الانتخابات الرئاسية»، معتبراً أنه من الغباء التفكير بربط نتائج الحرب في السياسة، ويقول: «من يراهن على أن إسرائيل تميز بين مناطق وأخرى هو مخطئ، والاستثمار في السياسة ينم عن سطحية في التفكير».