كتب عيسى يحيى في “نداء الوطن”:
تبحث الدولة في ظل الإفلاس الذي تعانيه عن أبواب في موازنة 2024 لتحسين المداخيل وسدّ العجز، وتبتدع ضرائب ووسائل جباية جديدة لا تخطر على بال أحد، حيث صار المواطن أسير الاعتباطية حيناً، وعدم مراعاة الظروف الإقتصادية والمعيشية التي يعيشها أحياناً. عمّقت الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان منذ 2019 الهوة بين الطبقات الاجتماعية فاندثرت الطبقة المتوسطة، وانقسم المجتمع إلى طبقتين لا غير، طبقة فقيرة معدومة الحال تعتمد على الراتب، وأخرى غنيّة زاد البعض فيها غنى بفعل اقتناص الفرص والأزمة، حيث شكّلت الأخيرة باباً لدى البعض لتكديس الثروات.
وفيما تنأى الدولة عن واجبها في تأمين المساواة بين المواطنين، تزيد حجم الهوة بينهم، فمن يملك المال يستطيع إنجاز معاملاته الرسمية بالسرعة المطلوبة، حيث بدأ الأمن العام مطلع السنة الحالية بإصدار جوازات سفر مستعجلة، يدفع عليها المواطن اللبناني رسماً إضافياً يوازي رسم الجواز العادي، كذلك استحدثت الدولة في مشروع قانون موازنة 2024 رسماً جديداً تحت مسمّى رسم بدل خدمات سريعة وطارئة، يسمح للمواطن من خلاله أن يدفع مبلغاً مالياً اضافياً على رسوم المعاملة الرسمية، يكون على قدر إمكاناته المادية لإتمام معاملته سريعاً.
وفيما تقسم الدولة إيرادات الرسم المستحدث بين عدّة جهات، تمعن في زيادة الشرخ بين المواطنين، فمن يملك المال يلقى ترحيباً من الموظف، أو كما يقول المثل «يحمله على كفوف الراحة»، وتنجز معاملته بالسرعة اللازمة وما يرافقها من تبريك وتبجيل، فيما ينتظر مواطنو الدرجتين الثانية والثالثة شفقة الموظف لإنجاز معاملتهم عندما ينتهي من معاملات الميسورين، وقد تمتدّ الفترة أسابيع يكون قد خسر فيها معدومو الحال سبب تقديم معاملتهم.
هي تغطية لعجز الدولة في زيادة الرواتب التي لا تتماشى والوضع الاقتصادي الصعب وزيادة الأسعار، وأدّت إلى اضرابات في القطاع العام، ورشوة بطريقة «كلاس» تعتمدها لحفظ ماء وجه الموظف ليبقى في عمله، وبعدما كانت الرشوة عيباً وممنوعة قانوناً، ويحاسب عليها الموظف، وتُسمّى سابقاً ثمن فنجان قهوة أو هدية «مش من قيمتك»، تشرّعها الدولة اليوم على عينك يا مواطن.
ولأنّ الوضع المادي صعب واستثنائي، ورابطة موظفي القطاع العام أضربت أشهراً احتجاجاً على تدنّي الرواتب وعدم كفايتها ثمن محروقات ليتمكّن الموظف من الالتحاق بعمله، استبق العديد من الموظفين في بعض الدوائر الرسم الذي ورد في موازنة 2024، حيث يتقاضون بدلاً مادياً عن المعاملات التي ينجزونها، سواء في المديرية العامة للأحوال الشخصية، حيث يكلّف إخراج القيد الافرادي مئة ألف ليرة، والعائلي مئتي ألف، من دون احتساب الطوابع، وغير ذلك. وفي حين شكّلت للبعض فرصةً لجمع مبالغ مالية كبيرة يومياً، يحدّدها أحد المخاتير بأكثر من خمسين دولاراً يومياً للموظف، ويشير الى أنّ ذلك لا يسري على الجميع، فالبعض يقوم بعمله وفق ما تقتضيه المصلحة العامة والأخلاق المهنية، فيما يعمد البعض الآخر لتعويض ما مرّ به على مدى سنوات الأزمة، حيث انتعشت حياته خلال هذه الفترة، وبدا عليه البذخ وصولاً الى السفر والسياحة.
وعلى المقلب الآخر، تشير مصادر بعض الموظّفين الى أنّ الرسم الذي استحدثته الدولة في الموازنة معتمد في عدد من الدول الأوروبية، ويشكّل حافزاً للموظف للعمل، وينهي ظاهرة الرشوة والفساد في الادارة العامة، كذلك الأمر فإنّ ما يتقاضاه الموظفون اليوم بدلاً من إنجاز المعاملات يريح المواطن لجهة تسيير أموره، كذلك الأمر لجهة الموظف الذي لا يضطرّ الى أن يدفع راتبه ثمن بنزين ومواصلات، ويبقي عائلته من دون طعام وشراب، ناهيك عن أنّ الصيغة التي تتّبع كانت محطّ اقتراح من جهات رسمية.