كتب أحمد الأيوبي في “نداء الوطن”:
عادت «الجماعة الإسلامية» إلى صدارة المشهد السياسي والعسكري مع إعلان جناحها العسكري معاودة نشاطه في الجنوب عقب عملية «طوفان الأقصى»، ومع هذا الحضور المستجد برزت أسئلة كثيرة، عن أبعاد وأسباب هذا التحرّك وتوقيته ومدى علاقته باحتياجات «حزب الله» إلى غطاء سنّي في هذا الظرف الحسّاس، حملناها إلى الأمين العام «للجماعة الإسلامية» الشيخ محمد طقوش الذي أجاب بصراحة حول بعض النقاط وفضّل البقاء في مساحة الدبلوماسية لدى مقاربته نقاطاً أخرى، لكنّه ركّز في حديثه على محاور أساسية أهمها: إستقلالية «الجماعة» وخاصة عن «حزب الله»، وضرورة التوصل إلى استراتيجية دفاعية وطنية، وتوجّه برسالة مباشرة إلى القوى السيادية والمسيحية خصوصاً بالاستعداد للحوار والتواصل.
يربط الشيخ طقوش في حديث إلى «نداء الوطن» تحرّك قوات «الفجر» بتاريخها فهي «أنشئت في العام 1982 بعيد الاجتياح الإسرائيلي ووظيفتها كانت العمل من أجل الدفاع عن أهلها وتحرير الأرض المحتلة. وظلّت تشارك في هذا العمل بأشكال عديدة ونسب متفاوتة حتى التحرير عام 2000، كما كان لها دور في التصدّي لعدوان تموز 2006. اليوم وفي ظلّ الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على بلداتنا في الجنوب حيث سقط بعض المدنيين شهداء، وفي ظل غياب الاستراتيجية الدفاعية، فمن حقنا الطبيعي أن ندافع عن أهلنا وقرانا في المناطق الحدودية ولنا حضور اجتماعي ومؤسساتي في تلك المناطق، وهذا بدوره أيضاً يساعد في التخفيف عن أهلنا في قطاع غزة حيث العدوان الصهيوني الهمجي الذي يستهدف وجودهم».
إستقلالية القرار
يرفض الشيخ طقوش فكرة أنّ مشاركة «الجماعة» في جبهة الجنوب تشكل غطاء لسياسات «حزب الله» ويؤكِّد أنّ «مشاركتنا في صدّ هذا العدوان هو من باب واجبنا في الدفاع عن أهلنا في الجنوب بشكل أساسي. وليس لهذه المشاركة أيّة علاقة بأيّة حسابات أخرى».
ماذا لو قرّر «حزب الله» وقف العمليات على جبهة الجنوب أو إذا انتفت مصلحة الحزب في مشاركة «الجماعة» في هذه العمليات، فهل سيكون توقيته وقراره ملزِماً للجماعة في هذا الاتجاه؟ أجاب طقوش: «هذا الأمر مرهون بمجريات الجبهة وتوقف العدوان الصهيوني على بلداتنا وقرانا بشكل أساسي وتقديرنا للمصلحة العليا آنذاك، كما يرتبط بإيجاد استرتيجية دفاعية تؤمّن البلدات الحدودية».
وعن تداعيات تكثيف الأعمال القتالية من القرى السنية ومخاطر تهجير أهلها، قال الشيخ طقوش: أولا هناك أراضٍ لأهلنا في الجنوب والعرقوب تحديداً ما تزال تحت الاحتلال أي في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. ثانياً القرى والبلدات الجنوبية تتعرض في كثير من الأحيان للاعتداءات فضلاً عن الخروقات اليومية من قبل العدو الإسرائيلي. ثالثاً الحدود الجنوبية كلّها اليوم من الناقورة حتى جبل الشيخ حيث مزارع شبعا كلّها مشتعلة وبالتالي فإنّ المواجهات ليست محصورة في منطقة حدودية دون أخرى، موضحاً أنّ «الميدان يفرض حالات التنسيق بين القوى التي تواجه العدوان».
ورأى أنّ «العدو الصهيوني هو المسؤول أولاً عن خرق القرار 1701 جوّاً عبر الطلعات الجوية اليومية وبحراً عبر الزوارق التي تخرق الحدود البحرية، وبرّاً عبر الاعتداءات: إمّا عبر توقيف المزارعين ورعاة الماعز وإمّا عبر تجريف بعض الأراضي وشق طرقات على مرأى من اليونيفل كما حصل قبل بضعة أشهر في تلال بلدة كفرشوبا وقد تصدّى الأهالي يومها للجرافات الإسرائيلية. إذاً، العدو هو المسؤول عن الخروقات وعلى مرأى من الأمم المتحدة، ولبنان تقدّم بالعديد من الشكاوى بهذا الخصوص، فنحن معنيون بشكل أساسي بالدفاع عن أنفسنا وأرضنا».
موقع ومستقبل سلاح «الجماعة»
حول موقع سلاح «الجماعة الإسلامية» في ظلّ تجربة اللبنانيين مع سلاح «حزب الله» قال الشيخ طقوش: «إمتلاكنا للسلاح ليس جديداً ولا حديثاً. ولم يُسجّل علينا من بين كل القوى اللبنانية أنّنا شاركنا في أي قتال داخلي أو استخدمنا سلاحنا في هذا الاتجاه، واكثر من ذلك نحن من طالب باعتماد استراتيجية دفاعية لتنظيم عمل السلاح والإفادة من تجرية كل قوى المقاومة. وبالتالي فلا خوف من سلاحنا على الداخل وهو ما أكّدته التجربة. وأمّا بخصوص تشجيع بقية القوى على التسلح فأنت تدرك وتعلم أنّ اللبنانيين جميعاً يقتنون الأسلحة في بيوتهم، وأنّ القوى الحزبية جميعها تمتلك أسلحة ظهر بعضها في محطات خلال السنوات الأخيرة داخل البلد».
وعمّا إذا كانت «الجماعة» ستصبح مشرَّعة كقوة مقاومة بعد انتهاء هذه المواجهة أم ستعود إلى وضعية المنع والملاحقة من الأجهزة الأمنية أوضح: «نحن نقوم بدورنا وواجبنا وهو حقّ لنا كفله البيان الوزاري للحكومات المتعاقبة، ونحن أبناء الأرض المحتلة وأصحابُها، وسنظلّ متمسّكين بهذا الحق ونمارسه بعيداً عن كل الاعتبارات الأخرى»، مشدِّداً على أنّ ما تقوم به «الجماعة» لا يتناقض مع فكرة الدولة لأنّه يستند إلى الحقّ المشروع في الدفاع عن النفس والأرض، كما أنّ «الجماعة» أول من طالب باعتماد استراتيجية دفاعية قدّمنا رؤيتنا حولها إلى اللبنانيين بعيد عدوان تموز 2006 وأعدنا اعتمادها أو طرحها في برناج رؤية وطن في العام 2017 ونحن أحرص الناس على قيام الدولة والنهوض بموسساتها كلّها. ولكن في المقابل لا يمكن أن نغمض العينين عن اعتداءات العدو وأطماعه».
العلاقة مع «حزب الله»
عن العلاقة بـ»حزب الله» قال الشيخ طقوش إنّها «في هذه المرحلة جيدة. وقد حرص كلانا على قطع الطريق على أية فتنة مذهبية وتجاوزنا ذلك. اتفقنا في ملفات فتعاونّا فيها، واختلفنا في ملفات أخرى فكانت لكلّ منا وجهة نظره. ومقاومة العدو الصهيوني ومشروع صفقة القرن من النقاط التي اتفقنا عليها ويجري التعاون فيها بحسب قدرة ورؤية كل طرف».
ماذا لو طالت مدة تشغيل الجبهة في الجنوب وتبيّنت محدودية تأثيرها مع الوقت، فهل ستواصلون العمليات أم يمكن أن تخضع مشاركتكم لمراجعة لاحقة؟ يجيب: «هذا الأمر مرهون بالتطوّرات في الجنوب وأراضينا المحتلة».
ورداً على التحفظات السائدة لدى القوى السيادية والمسيحية بشكل خاص تجاه تجاه ما يجري جنوباً توجّه الشيخ طقوش إلى هذه القوى بالقول: «نحن بالأساس دعاة حوار ونقاش وقد أطلقنا في العام 2017 رؤية وطن في مؤتمر مفتوح أمام الإعلام وأمام اللبنانيين جميعاً من أجل الحوار والنقاش والوصول إلى المشتركات التي تنقذ البلد من حالة التردّي والفساد التي يعيشها… وبمقدار ما نحرص على الدفاع عن أهلنا في الجنوب، والتخفيف عن أهلنا في غزة، بمقدار ما نحرص أيضاً على طمأنة شركائنا في الوطن. ولكن الذي يجري جنوباً من اعتداءات يومية على المدنيين والقرى، وما يجري في غزة من جريمة إبادة جماعية تستدعي تضافر الجهود والتضامن والموقف الداعم لتخليص الأطفال والنساء من الإبادة. وهو ما ندعو الجميع إليه».
وختم الشيخ طقوش حديثه بالقول إنّ «التحريض على الحركات الإسلامية لم يتوقف يوماً وألصق بظهرها الكثير من الأوصاف والاتهامات وأثبتت الأيام أنّ كل ذلك كان تحريضاً وبهتاناً من أجل تحقيق غايات سياسية لأطراف لا تريد الإصلاح أو التجديد أو مكافحة الفساد. وهذه الاتهامات لن توقفنا عن القيام بدورنا وواجبنا وممارسة مسؤوليتنا، وسيظر المستقبل زيفها وخفّة مطلقيها».