أكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن “الاستقلال تحقَّقَ فعليًّا عندما انتصر اللبنانيون لدستورِهم وميثاقِهم الوطني. وهكذا، بعد ثمانينَ من الأعوامِ التي خاضَ فيها الوطنُ كثيرًا مِنَ المحن القاسية، ما زال التمسُّكُ بالدستورِ الناظمِ لحياتِنا السياسية، والتشبُّثُ بميثاقِ العيش المشترك الراعي لوجودِنا الوطني، السبيلَ الوحيد لتجديد الاستقلالِ”.
وجدد “الدعوةَ إلى الإسراعِ في انتخابِ رئيسٍ جديد للجمهورية يعيدُ انتظامَ دورةِ الحياة إلى جسدِ الدولةِ المنهَك”. كما جدد “الدعوة إلى الالتفاف حول الجيش، وصَوْنِ حضورِه ومؤسسته، كما سائر القوى الأمنية التي نحييها على الدورِ الذي تقومُ به لحفظ أمن الوطن والمواطنين”.
وكان رئيس الحكومة يتحدث خلال رعايته ظهر اليوم حفل ذكرى الاستقلال والاعلان عن اطلاق متحف الاستقلال في قلعة الاستقلال في راشيا الوادي.
وجاء في كلمة رئيس الحكومة:
أيها الحفل الكريم
تُطِلُّ علينا الذِّكرى الثمانونَ للاستقلال، ووطنُنا في مهبِّ عواصفَ عاتية، داخليّةٍ وخارجيّة، تتمثَّلُ في أزْمتَيْهِ السياسيةِ والاقتصادية، وفي عبءِ النزوحِ الرّازِحِ على صدور مدنِه وقُراه، وفي العدوانِ الإسرائيلي المتمادي على الجنوبِ القريبِ من هنا، وعلى غزةَ المقيمةِ في كلِّ وجدانٍ حيٍّ وضميرٍ إنساني شريف.
لكنَّ اللبنانيين، حكومةً وشعبًا، وبرَغْمِ كل الظروف، مصرون على إحياء ذكرى استقلالِهم، لإيمانهم بما تحملُ لهم من معاني الحريةِ والسيادةِ والوحدةِ الوطنية، وبما تَبعَثُ في نفوسِهم مِن رجاءٍ بغدٍ أفضل باذن الله.
ولأنَّ المتأمِّلَ في التاريخ يُشْبِه مَنْ يحفِرُ في الأرضِ أساساتٍ عميقة، ليبني فوقَها صرحًا يعانقُ الفضاء، نسترجعُ في هذه القلعة العابقة بتاريخ الاستقلال أحداثَ تشرين الثاني من العام 1943، التي انطلقَتْ شرارتُها الأولى مِن تمسكِ اللبنانيينَ بدستورهم المعدّل، بعدما أُلغِيَت منه النصوصُ المتعلقة بالانتداب، لنكتشفَ أنَّ معركةَ الاستقلال ما كانَتْ لتُثْمِر، لولا اتّحادُ المواطنينَ خلفَ دولتِهم بقيادة الرئيسين بشارة الخوري ورياض الصلح، رحمهما الله، اللَّذَينِ اعتقلَهما الانتدابُ، وجاءَ بهما مع سائرِ رجالاتِ الاستقلال إلى قلعةِ راشيّا، وفي ظَنِّهِ أن أسْرَهم سيُطْفئُ الحراكَ الوطنيَّ، الشعبيَّ والرسميَّ المنادي بالحرّيَة.
لكنَّ الثورةَ التي اندلَعَتْ في بيروتَ وطرابلس وسائرِ المناطق، وحناجرَ المواطنين وهي تردِّدُ بصوتٍ واحد: “بَدّنا بشارة، بدّنا رياض”، والتفافَ الشعبِ بكامل فئاتِه وأطيافه حولَ حكومة بشامون، كلُّ ذلك… معًا… أدّى إلى إنجازِ الاستقلالِ المنشود.
الاستقلالُ إذًا، تحقَّقَ فعليًّا عندما انتصر اللبنانيون لدستورِهم وميثاقِهم الوطني. وهكذا، بعد ثمانينَ من الأعوامِ التي خاضَ فيها الوطنُ كثيرًا مِنَ المحن القاسية، ما زال التمسُّكُ بالدستورِ الناظمِ لحياتِنا السياسية، والتشبُّثُ بميثاقِ العيش المشترك الراعي لوجودِنا الوطني، السبيلَ الوحيد لتجديد الاستقلالِ. وهذا يستدعي منا أمرين: أن نسعى دائمًا إلى حِفظِ الدولةِ، كيانًا ومؤسسات، وأن نبحثَ باستمرارٍ عن المساحاتِ المشتركة التي تؤَمِّنُ المناخَ الأفضلَ لنموِّ المواطنة.
أما الدولةُ، فلقد أثبتت التجاربُ أنها وحدَها الحِضْنُ الجامعُ للبنانيين، فلا ينبغي التفريط بعمل مؤسساتِها ولا باستحقاقاتِها، ولا سيما رئاسة الجمهورية التي تجاوز الفراغ فيها عامَه الأول. ولقد كان يجدر بنا أن نقيم احتفالًا بالاستقلال، مَهيبًا، على الصورةِ المعتادةِ كلَّ عام، لولا شغورُ سدّةِ رئاسة الجمهورية .
مِن هنا نجددُ الدعوةَ إلى الإسراعِ في انتخابِ رئيسٍ جديد للجمهورية يعيدُ انتظامَ دورةِ الحياة إلى جسدِ الدولةِ المنهَك. كما نجددُ الدعوة إلى الالتفاف حول الجيش، وصَوْنِ حضورِه ومؤسسته، كما سائر القوى الأمنية التي نحييها على الدورِ الذي تقومُ به لحفظ أمن الوطن والمواطنين.
السيدات والسادة
عوضَ العرض العسكري التقليدي في ذكرى الاستقلال،يستمرُ على حدودِنا الجنوبية عدوانٌ عسكريٌّ تشعلُه إسرائيل، التي لم تشبع آلتُها التدميريةُ بعد من لحوم الأطفالِ ودماءِ النساء وآهاتِ الشيوخ في غزةَ الجريحة. وهنا أكرر ما قلتُه في مؤتمر القمة العربية- الاسلاميةِ قبل أيام: نحن شعبٌ يريد السلام ويحبُّ ثقافة السلام. لكننا لا ولن نرضى بانتهاك سيادتِنا والاعتداء على حقوقِنا، وإلا فما معنى الاستقلال إذًا؟
إن على المجتمع الدولي أن يردع إسرائيلَ عن عدوانِها وانتهاكها الصارخ للمواثيق والقرارات الدولية وحقوق الإنسان، وعن استمرارها في ارتكاب المجازر والإباداتِ الجماعيةِ، وآخرها جريمة اغتيال الاعلاميين ربيع معماري وفرح عمر بالامس وقبلها المصور الشهيد عصام عبدالله ، وأن يبادرَ هذا المجتمع الدولي الى وضعِ حلٍّ سياسي يؤدي إلى إعطاءِ الفلسطينيين حقوقَهم كاملةً غيرَ منقوصةٍ، في دولتِهم المستقلة وعاصمتُها القدسُ الشريف.
السيدات والسادة.
الاستقلالُ ليس ذكرى، بل حقيقةٌ تُعاشُ كلَّ يوم. فلعلَّ متحف الاستقلال، برعايتك سيدة منى رياض الصلح، يكون صورةً عن عيش الاستقلال كما يريدُه لنا وطنُنا ونريدُه نحن له.وفي هذه المناسبة المجيدة،لا بد من ان أتوجه مجددا بتحية تقدير واجلال الى الجيش، قائدا وضباطا وافرادا، هذه المؤسسة هي سياج الوطن وحامية الاستقلال، وبها تكبر قلوبنا وتطمئن نفوسنا الى الحاضر والمستقبل.
حضرة قائد الجيش العماد جوزيف عون، الاخ العزيز، ان جهودك ورعايتك الابوية ، التي كنت شاهدا عليها،حمت المؤسسة العسكرية وصانتها من العواصف وهي محل تقديرنا جميعا، وتؤمن استمرارية استقرار الجيش ودوره.
عشتم، عاشت ذكرى الاستقلال يمن عام إلى عام، وعاش لبنان.