كتب ميشال طوق:
400 سنة من الإحتلال العثماني، الفتح العثماني، الذي نكّل بكل الشعوب التي إحتلها وأذاقها الويلات، ومن تجرأ أن يعارضه أو يطالب ولو ينسمة حرية، كان مصيره الموت المحتم، فكان الرعب مسيطراً على كل البلدان المحتلة والعسكر العثماني يعيث في الأرض خراباً وفساداً وفي البشر ذلاً وتحقيراً وسخرة وسفر برلك، وصلت ذروتها بما فعله في آخر سنين إحتلاله من إعدامات وتجويع ومجازر…
كل هذا ولا يوجد أي أثر لتلك ال400 سنة، لا عمران ولا قلاع ولا طرقات ولا مؤسسات… كأن هذا الإحتلال بكل ما فعله ولم يفعله، كان يهدف الى محو كل الحضارات والشعوب المختلفة عنه.
إنقلب كل هذا رأساً على عقب مع الإنتداب الفرنسي الذي أولاً حرر لبنان من الطغاة وأزاح هذا الثقل عن كاهل اللبنانيين، ثم بدأ بالبناء وشق الطرقات وتأسيس البنى التحتية ومؤسسات الدولة ودستورها الذي ما زلنا نعتمد معظمه الى يومنا هذا.
إستقلينا عن فرنسا في مثل هذه الفترة من سنة 1943، في خطوة تبين لاحقاً، أنها كانت متسرعة ومتهورة جداً، لأن الكيان الذي ولد من رحم الإنتداب، لم يكن يملك أي مقومات تسمح له بالإستمرار.
فمنذ البداية، بدأت تلوح الصراعات بين الشعوب التي جُمعت في كيان واحد وهي غير متجانسة نهائياً، فأصبحنا ننتقل من صراع الى آخر وكل فئة تجنح بعكس الفئات الأخرى، الى أن وصلنا الى الحرب المدمرة التي أدخلتنا من جديد الى حقبة الإحتلال، إحتلال أسوأ من كل مًن سبقه.
هكذا حصل في العراق عندما أطاح العالم الحر بالديكتاتورية والظلم الذي أرعب العراقيين على مدى عقود من الزمن، وعند أول نسمة حرية بدأت كل فئة تعد العدة لتسيطر على الفئات الأخرى.
هكذا حصل في إفغانستان بعد 20 سنة وعشرات المليارات التي وُضعت للبناء والثقافة والتطور، لم يرضى الإفغان إلا أن ترجع إليهم طالبان التي عانوا من رعبها عشرات السنين.
حدّث ولا حرج عن اليمن المدمر وسوريا التي أصبحت خراباً وشعوبها مهجرة في كل العالم، ومعظم البلدان الأخرى التي تتألف من إثنيات مختلفة، مستمرة بقبضة سلطتها الحديدية فقط.
بالعودة الى لبنان، كانت سنين الإستقلال قليلة جداً وحافلة بالمشاكل والأزمات التي كانت نتيجتها العودة الى الإحتلالات الفلسطينية والإسرائيلية والسورية ومن ثم الإيرانية، وهي من أسوأ الإحتلالات وأخبثها، لأنها إحتلال بواسطة فئة لبنانية تابعة عضوياً وكلياً وتنفذ أوامر إيران بحذافيرها.
فهل سنبقى في هذه الدوامة التي وعندما تشعر أي فئة بأنها قوية بقوة خارجية، تسعى للسيطرة والهيمنة على باقي الأفرقاء وتنهش من أمامهم وتسعى للتوسع على حسابهم؟
هل هذه البلدان المركبة من شعوب مختلفة كلياً عن بعضها، يمكنها أن تكون مستقلة، أقله بهذه الصيغة والنموذج من الإستقلال؟
البراهين التي أمامنا تقول أنه من المستحيل، وإن عادت الظروف التي أتت بعد الإستقلال، سنرى نفس ردات الفعل والنتائج لا محالة.
مُضحك عندما نسمع البطولات والعنتريات في حرية وإستقلالية القرار، ثم نرى الإنصياع الكامل لإملائات السفارات والمندوبين وإعلاء مصالح كل الآخرين، على مصالح الدولة اللبنانية واللبنانيين، والأسوأ، الإنصياع والتبعية الكاملة لدولة ونظام وعقيدة لا تمت للبنان بأي صلة.
فهل علينا أن نحتفل بالإستقلال، أم نبكي على حالنا وعلى ما فعله أجدادنا، أقله، لم يأخذوا الوقت الكافي ليستفيدوا من خبرات المنتدبين في كل المجالات أولاً، وفي تطوير ثقافة التعامل مع الحرية والإستقلال بوعي ومسؤولية… ثانياً؟