كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:
قضى الشاب السوري إبراهيم عبد الله (17 عاماً) في انهيار مبنى سكني قديم في محلة المقاصد في صيدا القديمة مقابل حديقة الإمارات، فيما نجا باقي أفراد عائلته من الموت بأعجوبة وكانوا في فناء المنزل، رغم انهيار أربعة أسقف أخرى تدريجياً فوق بعضها البعض.
إنهيار المبنى السكني أعاد تسليط الأضواء على واقع بعض المباني المتصدّعة والآيلة للسقوط رغم إخطار بلدية صيدا أكثر من مرة قاطنيها بضرورة مغادرتها خشية على حياتهم، غير أن ضنك العيش في ظل الأزمة المعيشية والاقتصادية الخانقة حال دون ذلك نظراً لغياب الإمكانات المالية لاستئجار منزل بديل يأويهم.
وتقول أوساط صيداوية لـ»نداء الوطن»: «مع كل انهيار مبنى قديم أو حصول هزّة أرضية أو زلزال أو بدء فصل الشتاء ووصول عاصفة ثلجية أو مطرية، يعود إلى واجهة الاهتمام ملفّ الأبنية المتصدِّعة والمهدَّدة بالسقوط، وقد تفاقمت خطورتها مع الزلزال الأخير الذي ضرب تركيا والهزّات الارتدادية على لبنان في بداية شهر شباط من العام الماضي. غير أنّ المشكلة تكمن في أنّ بلدية صيدا والجهات المعنية ومنها الهيئة العليا للإغاثة تقوم بواجبها في إنذار القاطنين فيها من دون أن يتمّ تأمين البديل، وإذا حصل فلأشهر موقتة، ثم تعود العائلات إلى سيرتها الأولى، مفضّلة البقاء أو العودة إلى منازلها رغم الخطر المحدق، لأنها لا تملك قوت اليوم، فكيف حالها بدفع نفقات إيجار منزل ولو كان صغيراً أو متواضعاً؟».
وتضيف: «وفوق ذلك، فإنّ بعض أصحاب المباني السكنية أو المنازل الأصليين، لا يبادرون إلى إعادة ترميمها أو صيانتها لأن عقود إيجارها قديمة ولا تكفي نفقاتها، فتتحوّل قنابل موقوتة قابلة للسقوط مع كل ريح أو أمطار غزيرة أو هزّات أرضية، ومبنى «بدير وحمدان» القائم على العقار 1089 في منطقة الدكرمان عند البوابة الفوقا في صيدا خير شاهد».
ويؤكّد رئيس الدائرة الهندسية في بلدية صيدا المهندس زياد حكواتي لـ»نداء الوطن» أنّ ترميم المنازل المتصدّعة «يقع على عاتق المالك وفق القانون وليس على أي جهة رسمية، والبلدية كونها سلطة محلية تجري كشفاً وتبلّغ أصحابها بضرورة صيانتها وترميمها أو إخلائها من قاطنيها أو تقوم بهدمها على نفقته، وأمّ المشاكل تكمن في أنّ أصحاب المنازل القديمة وعلى مرّ السنوات باتت متعدّدة الملكية بالوراثة، كانت للعائلة الواحدة – الأب، ثم انتقلت إلى الأخوة والأحفاد، وبالتالي فإن الملكية أصبحت مشتركة وفق الأسهم ما يمنع الاندفاع أو التشجيع لترميمها أو صيانتها».
غير أن الحكواتي أوضح أنّ البلدية أجرت كشفاً شاملاً على المنازل في صيدا القديمة منذ العام 2012 وتبين أنّ هناك عدداً كبيراً منها بحاجة إلى إعادة ترميم وصيانة، ورفعت تقارير إلى الجهات المعنية في الدولة «ولكن للأسف، جاء الجواب أن الترميم يكون على نفقة المالك، والأمر يحتاج إلى مساعدات من الدول المانحة والجمعيات الأهلية، حيث تقدّر الكلفة بنحو 20 مليون دولار أميركي، وهو غير متوفر حتى الآن».
في صيدا القديمة، يتذكّر كبار السنّ الزلزال الذي أصابها ودمّر الكثير من بيوتها، حيث انتقلوا إلى منطقتي التعمير والفيلات، فيما تحفظ ذاكرة الأجيال الناشئة ما سمعته منهم، اليوم لا تبدو الأبنية فيها أفضل حالاً، فلا تخلو الأحياء والأزقّة القديمة من مبانٍ متصدّعة، ولطالما سجّلت حوادث سقوط أسقف غرف منازل فيها، ونجا سكانها بأعجوبة. ويقول مختار «حي الكنان» في صيدا القديمة خالد السنّ لـ»نداء الوطن» إنّ «المباني خلف المقاصد، وتحديداً التي تملكها عائلتا حسنا وزهرة تعرّضت لغارات جوية إسرائيلية إبّان الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 ولا تزال آثار الدمار ماثلة عليها وعلى المباني الملاصقة والمجاورة، وقد سبق للبلدية أن وجّهت إنذارات لعائلات تقيم في عدد منها جرّاء تصدّعها وخطر الانهيار». ويوضح أنّ المباني في صيدا القديمة المؤجّرة تحديداً تعاني من مشاكل جمّة، من بينها إهمال المالكين وعدم إجراء الصيانة اللازمة، من معالجة مشاكل الصرف الصحي والنش وغيرها واستنكاف المستأجرين عن القيام بذلك، وكل هذه الأمور تُضعف المبنى وتؤدي مع الوقت الى تصدّعات وشقوق»، مؤكداً أنّ لا دور للمخاتير في هذه الأوضاع إلا التدخّل ودّياً لحل مشكلة أو نقل رسالة أو نداء.
وفي ظل الأزمة المعيشية وتراجع دور الدولة ومؤسساتها نتيجة الانهيار المالي منذ سنوات، نشطت مؤسسات المجتمع الأهلي والمحلي في المدينة لملء الفراغ، وخاصة عند حدوث طارئ أو مشكلة، وقد قامت مؤسسة الحريري سابقاً وجمعية محمد زيدان بإعادة ترميم عدد من المباني لكنه لا يتخطى الخمسة في المئة من مجمل المباني التي تحتاج إلى إعادة تأهيل، ولم يكتمل المشروع على طول الواجهة البحرية، وتحديداً الوصلة الممتدة ما بين المرفأ والمقاصد.