كتب أنطوان الأسمر في “اللواء”:
بلغت الأزمة جنوباً ذروتها هذا الأسبوع، ولا سيما لناحية العمليات التي قادها حزب الله في موازاة القصف الإسرائيلي والاستهدافات التي تُنذر بأن المعنيين بلا استثناء أشاحوا النظر عن الخطوط الحمر، لكنهم بالتأكيد تخطّوا قواعد الاشتباك المرعية منذ آب 2006. وليس تفصيلا أن تقْدم اسرائيل على الضربة القاسية باستهدافها المجموعة القيادية في فرقة الرضوان قبل ساعات من دخول الهدنة في غزة حيّز التنفيذ، وهي في ذهنها أن الحزب لن يتمكّن من تدبيج الردّ المناسب والمتناسق في الساعات القليلة الفاصلة عن بدء الهدنة.
وتردّد أن المجموعة القيادية لم تكن في صدد مهام ميدانية بل في اجتماع روتيني، في منزل في بيت ياحون يبعد نحو 7 كيلومترات عن الحدود. ويبدو أنه جرى تخطّي الإجراءات الإحترازية التي يُفترض أن تحيط بتحرّك هذا المستوى الرفيع من القيادات في المقاومة الإسلامية.
يتّضح من الردّ الميداني لحزب الله، العقلاني والمؤلم في الآن ذاته، أن التفاهمات التي يجري رسمها إقليميا أبعد من المجال اللبناني، وأن ثمة ناظما واحدا للمحور الممانع يضبط المستوى العسكري، تماما كما يحدّد أهداف التفاوض السياسي غير المباشر مع اسرائيل، عبر كل من مصر وقطر. وتاليا، لن يتأثّر المرسوم والمخطّط له بتطورات ميدانية تبقى محدودة طالما الضابط الناظم في كل من طهران وواشنطن ملتزم قواعد التفاوض الحاصل.
لا يقتصر دور ضابط الإنضباط على طهران. إذ لا يخفى الموقع الأميركي المتقدّم في إدارة شؤون المعركة الإسرائيلية في غزة وتردداتها عند الجبهة الشمالية مع لبنان. وليس تفصيلا أن يتولى كل من وزير الخارجية أنتوني بلينكن والمستشار الرئاسي الخاص آموس هوكستين مهمتّين متقاطعتين ومتناسقتين، مع تركيز هوكستين على الشق اللبناني بالنظر إلى علاقاته المتشعّبة واللصيقة التي نسجها مع المسؤولين إبان مفاوضات ترسيم الحدود البحرية. أما بلينكن فبات يوصف برئيس الظل للكابينيت الإسرائيلي ربطا بالدور القيادي الذي يتولاه سياسيا، فيما تعوّل اسرائيل في سير معاركها العسكرية على المستشارين العسكريين الأميركيين وعلى الإمدادات بالسلاح والعتاد.
في هذا السياق، جاءت زيارة هوكستين إلى تل أبيب حاملا رسالة عاجلة بضرورة إبقاء التداخل الإسرائيلي جنوبا تحت الخط المقبول أميركيا ودوليا. وتعوّل الإدارة الرئاسية الأميركية على توظيف الفوضى الحاصلة من أجل إرساء حل مستدام، ينطلق بنظرها من المراكمة على ادنة تلو أخرى، إلى حين إنضاج الحل المُراد والذي لا يمكن إلا أن يأتي على قاعدة الدولتين.
كذلك أتت زيارة وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان إلى بيروت، للتنسيق مع الحلفاء ولوضعهم في صورة المشهد الإقليمي ككل، ولما تعدّه طهران لمرحلة ما بعد هُدَن غزّة والمتوقّع أن تكرر إلى حين الوصول إلى التسوية التي تضمن وقف إطلاق النار وترتيبات جديدة للقطاع، وربما لأبعد منه.
ولا ريب أن رئيس الديبلوماسية الإيرانية أثار مع كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي المستجدات في غزة وحولها، فيما لقاؤه الأساس كان مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لأنه حمل التوجه الإيراني في المنطقة في ضوء النجاح الجزئي في التفاوض المُراد له أن يؤدي الى وقف إطلاق النار، لا الهدنة فحسب.
ويحكم ترابط الجبهات الذي طبّقه الحزب منذ 8 تشرين الأول، حاليّ التصعيد والتهدئة على حدّ سواء. لذا من المفترض أن تنسحب هدنة غزة على الجنوب، في حال لم تبادر تل أبيب إلى تصعيد غير محسوب يرمي فيما يرمي إلى إبقاء النزف عند حدودها الشمالية وعدم تحقيق ربط النزاع الذي تضغط من أجله الإدارة الأميركية.
ويبحث مسؤولون في بيروت مع قيادات ديبلوماسية وسياسية أجنبية في إمكان أن تشمل الترتيبات في غزة ملف اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات اللبنانية. إذ إن أي حلّ للمليونيّ غزّاوي، في حال اعتماده وتصديقه دوليا، يمكن أن يطبّق على اللاجئين في لبنان.