كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
كانت الطريق فارغة، بدت وكأننا في حرب، لحظات هدوء مخيفة، لم تعبر أي سيارة. من وادي الحجير في اتجاه وادي السلوقي، حركة سير خجولة، لا تبشّر بموسم العودة قبل تجدّد المعركة، حتى الحقول المحاذية للوادي فارغة من مُزارعيها.
من مثلّث شقرا، عيترون، حولا نتّجه صعوداً نحو عيترون، البلدة التي نالت نصيبها الوافر من القصف. الحذر مسيطر. قلّة من الأهالي كانت تتحرك أو تتنقّل في محال البلدة التي فتحت بمعظمها.
أمّا على خطّ عين إبل، رميش وعيتا الشعب، فتخرق دوريات قوات الطوارئ الهدوء، وكأنّ الحرب ما زالت مشتعلة، والهدنة لم تدخل حيّز التنفيذ بعد. في رميش البلدة التي تتميّز بساحتها وبركتها الكبيرة، ومنازلها الحجرية، يجلس «طانيوس» يرتشف كوب قهوته، متمنّياً دوام مفاعيل الهدنة لتنتهي الحرب.
لا تشبه رميش حياتها الطبيعية السابقة التي كانت تعجّ بالحركة والنّشاط. الكل يترقّب، ويسأل: هل تتجدّد المعارك أم تكمل الهدنة مسارها؟
شوارع رميش بدت شبه فارغة، إلا من بعض المارّة، الخوف على لسان كل شخص تسأله عن حال البلدة. كما فَرَضَ إطلاق النار على عدد من المزارعين في أكثر من بلدة حدودية وقعَه على الهدنة التي وصفها البعض بـ»الهشّة»، خصوصاً أنّ طائرات التجسّس الإسرائيلي لم تغادر أجواء الجنوب لحظة، ما خفّف من عودة الأهالي.
لم تستعد البلدة نشاطها الاقتصادي بعد، غالبية مؤسّساتها التجارية مقفلة، وحدها محلات الأكل والقهوة تواصل عملها.
في المقابل، تركت الهدنة ارتياحاً لدى الأهالي الذين يأملون في أن تطول، لتعود الروح إلى بلدتهم. تشير «فيكتوريا» إلى «أنّ الحرب سرقت فرحة التحضير لعيد الميلاد، عيد المحبة والسلام. في قلبي غصّة. لم يفكر أحد في الأمر، فالحرب هي الحاضر الأبرز».
تشتري «فيكتوريا» الخضار من أحد الدكاكين على عجل، تخشى سقوط الهدنة في أي لحظة، لم تترك رميش، لأنه «لا مكان نذهب إليه، فأفضّل البقاء». اشتاقت المعلمة للتدريس فمدارس المنطقة مُغلقة حتى إشعار آخر، ولم يتخذ قرار التعليم عن بعد «أونلاين» ريثما تنجلي الصورة.
الحرب تسرق من الناس فرحة التحضير للأعياد
لم تمنع الحرب جان عساف من مواصلة عمله في مطعمه في بلدته رميش، يُحضّر «سيخ الشاورما» كالمعتاد، إنما بكميّة أقل. «الحياة لا تتوقّف»، على حدّ قوله. في مطعمه على طريق رميش – عيتا الشعب، يُعدّ «الساندويشات». إرتفع الطلب أيام الهدنة بعد عودة جزء من أبناء البلدة والقرى المجاورة.
يتمنّى جان كما كل أبناء رميش الحدودية أن تدوم الهدنة، ليعود سكان البلدة. غيابهم ترك أثراً اقتصاديّاً على المحال التي بقيت تعمل رغم القصف وفق «بول» الذي يعمل في محل «إكسبرس». أرسل عائلته إلى بيروت مع بداية المعارك لتعود مع دخول الهدنة حيّز التنفيذ.
طيلة الحرب كان يرتكز عمل «بول» على بيع القهوة ولو «عالخفيف»، رغم القصف الذي كان يتساقط على أطراف البلدة، لكن أصواته كانت مزعجة، أجمل ما في الهدنة، يقول «إننا لم نعد نسمع أصوات القذائف المدفعية والصاروخيّة.
في أحد أزقّة رميش القديمة يتحدّث «روبير» مع إحدى سيدات البلدة، يسألها عن عودة باقي السكان «رميش حزينة لغيابهم».
قبل الحرب كانت البلدة تكتظّ بالسكّان والوافدين من بيروت نهاية الأسبوع وبداية التحضير للأعياد. يعزّ على الشّاب العشريني غياب موسم الأعياد وعودة المغتربين. يؤلمه أن تستمرّ الحرب في زمن «عيد المحبة».
مع بداية «طوفان الأقصى» افتتح شادي منصور أحد أبناء رميش محلاً لبيع الزينة وأدوات العيد. لم يقفل باب محله رغم مغادرة الأهالي البلدة. استمرّ في عمله الذي يعتبره «مبدأ صمود وإصرار على مواصلة الحياة»، فيشدّد على «ممارسة حياتنا كالمعتاد، ونأمل في أن تنتهي الحرب كليّاً».
إذاً لم تُشجّع الهدنة أهالي المنطقة الحدودية على العودة، ولم تحفّز من عاد منهم على البقاء. الكل ينتظر الثلثاء وما ستؤول إليه الأمور من تطوّرات ميدانيّة ليبنى على الشيء مقتضاه: هل تنتهي الهدنة أم تتجدّد مفاعيلها؟