كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:
لا تقتصر تداعيات الحرب الإسرائيليّة على قطاع غزة فحسب، بل تخطت حدود فلسطين كما قواعد الإشتباك التي فرضت نفسها مع «حزب الله» على حدود لبنان الجنوبيّة، لتطال استهداف الأماكن المدنيّة الآمنة، وترهيب السكان وقتل الصحافيين الذين يقومون بتأدية رسالتهم الإعلاميّة.
ورغم أنّ غالبيّة المواثيق والإتفاقيات الدوليّة ترعى حماية المدنيين والصحافيين في أماكن النزاع، إلا أنّ الدعم الدولي والأميركي لآلة القتل الإسرائيليّة يخولانها بعد فرض قوانينها في ساحة المعركة، التفلّت لاحقاً من أية محاسبة ممكنة، ولو صوريّاً. في حين يبرز في موازاة ذلك، رفض عدد كبير من الدول والمنظمات الحقوقيّة التسليم لـ»قانون القوة»، والتوجه إلى منظمة الأمم المتحدة، ودفعها إلى القيام بواجبها ومحاسبة المتسببين بالجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي.
ومع إنتهاج الجيش الإسرائيلي إستراتيجيّة التعتيم الإعلامي على الجرائم التي يرتكبها، فقد نجم عن محاولته منع وسائل الإعلام من توثيق الإعتداءات التي يقوم بها ومقتل ما لا يقل عن 60 صحافياً في فلسطين ولبنان. وهذا ما دفع لبنان عبر وزارة الخارجية والمغتربين إلى الطلب من بعثته الدائمة لدى الأمم المتحدة، تقديم شكوى امام مجلس الامن الدولي عقب ارتكاب اسرائيل للجريمة الجديدة الموصوفة المتمثّلة بقتلها المتعمّد للمراسلة الصحافية فرح عمر والمصوّر ربيع المعماري العاملين في قناة «الميادين»، اضافة الى المواطن اللبناني حسين عقيل. وتنضم بذلك إلى شكوى مشابهة تضمنت شرحاً للاستفزازات والاعتداءات الإسرائيلية المتصاعدة وما سببته من إصابات في الأرواح والممتلكات، وخرقاً مستمراً لسيادة لبنان ولقرار مجلس الأمن الدولي 1701 إثر إستهداف مصور تلفزيون «رويترز» عصام عبد الله في 13 تشرين الأول 2023.
ومع تأكيد لبنان أنّ الجرائم المتعمدة التي ترتكبها إسرائيل داخل الأراضي اللبنانية تشكّل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي بكافة متفرّعاته وخرقاً لسيادة لبنان وسلامة أراضيه واعتداء على مدنيين وصحافيين يقومون بتأدية رسالتهم الاعلامية وفقاً للمعايير المهنية المتعارف عليها دولياً لضمان أمنهم سلامتهم، إلّا أن مسار تلك الشكاوى، والوصول إلى إدانة إسرائيل، أمامه الكثير من التحديات.
وفي هذا السياق، يوضح عميد كليّة العلاقات الدوليّة في الجامعة الدولية في ستراسبورغ – فرنسا، المحامي الدكتور بول مرقص لـ»نداء الوطن»، أنّ المرجعيّة الرسمية لتلقي شكاوى الدول حول تهديد الأمن والسلم الدوليين تعود إلى مجلس الأمن الدولي؛ قبل أن يتوقّف عند تركيبة المجلس وآلية اتخاذ قراراته، والتي تخوّل أيّاً من الدول الخمس الدائمة العضوية تعطيل إتخاذ قرار عبر إستعمال حقّ النقض (Veto)، على غرار إستخدام الولايات المتحدة الأميركية هذا الحق خلال التصويت على قرار يدين إسرائيل عن مجزرتها الأولى في قانا عام 1996.
وإلى جانب التحدي الأساسي (VETO) الذي قد يواجه الشكاوى المرفوعة من قبل لبنان في ظل إنخراط الولايات المتحدة وآخرين في الحرب مع إسرائيل، يلفت مرقص إلى أنّ لمجلس الأمن سلطة تقديريّة تُستشف من المادة 39 من ميثاق الأمم المتحدة، وتشير إلى أنّ «مجلس الأمن يقرر ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير لحفظ السلم والأمن الدوليين أو إعادة الأمر إلى نصابه».
وأمام غياب المعايير الدقيقة للإدانة، يكشف أنّ النتائج المترتبة عن الإدانة في حال حصولها، من الممكن أن تتدرج من قطع العلاقات الدبلوماسيّة والحصار الإقتصادي وفق المادة 41 من الميثاق، وصولاً إلى إستعمال القوة وفق مندرجات المادة 42 من ميثاق الأمم المتحدة. كما أشار إلى إمكانية إتخاذ مجلس الأمن قراراً بإنشاء محكمة خاصة Ad hoc للنظر في هذه الشكوى، أو الحرب أو العدوان، كما حصل مع إنشاء محاكم يوغوسلافيا السابقة وتلك الخاصة برواندا ولبنان. وذلك وسط الإبقاء على إمكانية أن يحيل مجلس الأمن الشكاوى إلى المحكمة الجنائية الدولية الدائمة المنشأة بمقتضى نظام روما لعام 1998، كما حصل مع السودان.
وفي ظل عدم توقيع لبنان كما إسرائيل على نظام روما الذي أدّى بموجبه إلى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، شدّد مرقص على أنّ ذلك لا ينفي إمكانيّة أن يعمد مجلس الأمن الدولي إلى إتخاذ قرارات جريئة متى توافرت الظروف السياسيّة الملائمة، كما فعل بالنسبة للقرارات التي دان خلالها عدوان إسرائيل على لبنان تحت الأرقام 262 لعام 1968، و270 لعام 1969، و279 لعام 1970. وذلك بعد أن تناوب الإتحاد السوفياتي والإتحاد الروسي من جهة والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى على إستعمال حق النقض Veto في تعطيل القرارات المرتبطة بالصراع العربي – الإسرائيلي.
مسؤولية مجلس الأمن
وانسجاماً مع مواقف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ودعوته المتكررة لوقف إطلاق النار في غزة فوراً وإيصال المساعدات الإنسانية، كشف مرقص أنّ الشكاوى التي تصل إلى مجلس الأمن تدفعه إلى المبادرة تجاه الأطراف المتنازعة وحثها على حلّ النزاع بالطرق السلميّة، وذلك عبر وضع مبادئ الإتفاق، قبل الإنتقال لاحقاً إلى الإضطلاع بمهام التحقيق والوساطة في بعض الحالات، والبحث في جدوى إيفاد بعثة لتقصي الحقائق، أو تعيين مبعوثين خاصين للأمين العام يساهمون في تذليل التحديات التي تحول دون إنجاح مساعيه الحميدة لتسوية النزاع بالوسائل السلمية.
أما مع تحوّل النزاع إلى أعمال عدائيّة، فإنّ الشاغل الأساسي للمجلس، كما أوضح مرقص، يكون في وضع حدّ لتلك الأعمال بأسرع ما يمكن؛ وذلك عبر إصدار توجيهات بوقف إطلاق النار لمنع تصعيد النزاع، وإيفاد مراقبين عسكريين أو قوات لحفظ السلام للمساعدة في تخفيف حدة التوترات والفصل بين القوات المتعادية وإحلال جو من الهدوء تخوّل الوصول إلى تسوية سلمية. في حين يبقى في موازاة ذلك، الحق للمجلس في إتخاذ تدابير صارمة تساهم في تطبيق قراراته، من بينها فرض الحصار والعقوبات الاقتصادية والماليّة، وحظر توريد الأسلحة، وحظر السفر، وقطع العلاقات الدبلوماسية، وصولاً إلى إتخاذ قرار بالقيام بعمل عسكري جماعي.