كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
ليس واضحاً الهدف الأساس لزيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان. التخمينات كثيرة، لكن أياً من الجهات التي طلب لودريان موعداً لزيارتها (رئيسا مجلس النواب والحكومة و»حزب الله») يملك تصوراً عما يحمله، خاصة أنّ الزيارة تأتي في أعقاب التوصل إلى هدنة موقتة لحرب إسرائيل على غزة والهدوء الحذر على الحدود الجنوبية مع اسرائيل. لودريان الذي استبق زيارته بالتحذير من تفاقم الوضع الأمني في الجنوب اللبناني، وأبدى خشيته من استمرار الفراغ الرئاسي، لم يكشف النقاب عن توجّه جديد لبلاده تجاه لبنان، وما الذي سيقوله لـ»حزب الله» المتمسك بترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، وغير مستعد للتراجع أو حتى للبحث عن مرشح بديل.
لكن «حزب الله» سيستقبل لودريان ولن يتحفظ عن زيارته ربطاً بمواقف رئيسه ايمانويل ماكرون على خلفية العدوان الإسرائيلي على غزة ومطالبته بتشكيل قوة دولية لمحاربة الارهاب في الشرق الأوسط على أساس أنّه لم يسمِ «حزب الله»، ويصنّفه بمثل ما صنّف «حماس»، وباعتبار أنّه عاد واستدرك تصريحاته ضد غزة باستنكار قصف مستشفى المعمداني فيها.
وتراوحت الترجيحات بين من قال إنّ الزيارة مخصصة في الأساس لجبهة الجنوب وتطبيق القرار 1701 وبين من ربطها بالشأن الرئاسي وسعي فرنسا المتجدّد إلى تحريك الملف مجدداً.
حسب مصادر في «الثنائي الشيعي»، فإنّ زيارة لودريان ستركز على تطبيق القرار 1701 تماشياً مع رغبة اسرائيل في تحقيق هدفها الرامي إلى ايجاد منطقة عازلة على الحدود الجنوبية، وإبعاد «قوات الرضوان» في «حزب الله» عن الحدود. هدفان سعت اسرائيل لتحقيقهما منذ حرب تموز 2006، وفشلت كما اليوم. يستغرب «حزب الله» الهجمة الديبلوماسية المتعلقة بتطبيق القرار الدولي ورفع طلب اسرائيل في شأن «قوات الرضوان»، التي يعتبرها جزءاً أساسياً من المقاومة وتتشكل من أبناء الجنوب، وكيف أنّ الدول لم تتشدد بالمطالبة بتنفيذ القرار ذاته يوم كانت إسرائيل المبادرة إلى خرقه.
وحسب ما تبلّغت، تقول مصادر وزارية، إنّ الموفد الفرنسي سيبحث في الوضع الأمني في جنوب لبنان وما سيكون عليه في ضوء الحل السياسي للحرب في غزة، التي تعتبر فرنسا أنّ نهايتها ستكون لصالح إسرائيل حكماً، ما يجعل «حزب الله» مضطراً للتهدئة، لكن لـ»حزب الله» رأياً آخر فهو الذي التزم الصمت إزاء الهدنة في الجنوب، ويوثّق انتهاكات اسرائيل المتواصلة، يستغرب لماذا توجد القوات الدولية في الجنوب اللبناني وليس في الشمال الإسرائيلي؟ ولماذا لم تسارع الدول إلى المطالبة بتطبيق هذا القرار حين كانت اسرائيل تنفذ انتهاكاتها في حق لبنان وعلى أراضيه؟
لكن مصادر ديبلوماسية استبعدت أن يكون الغرض محصوراً بالقرار الدولي حيث لا تملك فرنسا قدرة المبادرة أو التعهد بتطبيقه سواء لجهة «حزب الله» أو اسرائيل، وتقاطعت في ما قالته مع مصادر سياسية توقعت أن يحمل لودريان تنبيهاً من أنّ استمرار الوضع على حاله سيزيد الأزمة، ويؤكد ضرورة عدم الانخراط في الحرب على غزة المتوقع اندلاعها مجدداً بعد الهدنة الحالية.
ربما كان يفضل «حزب الله» أن يحصر الموفد الفرنسي محادثاته بالوضع في الجنوب ربطاً بغزة التي تحتل صدارة اهتمامه راهناً، حيث لا يرى أنّ الأجواء المحيطة تشجّع على الخوض في نقاشه حالياً، وأنّ الأجواء لا تزال على حالها. وتقول المؤشرات إنّ لودريان لم يحمل مقترحاً جديداً، بل سينقل خطورة الوضع الإقليمي وضرورة انتخاب رئيس وتشكيل حكومة جديدة ليسمع ما الجديد المتصل بهذا الاستحقاق من المسؤولين.
لم يعد الفرنسي في موقع يمكنه من تقديم اغراءات وحوافز، كما لن يتمكن من الحديث بلهجة رئيسه القديمة أو يطلب من مجلس النواب فتح أبوابه بعدما خسر موقعه وصار خارج اللعبة بسبب موقف ماكرون من غزة بدليل غيابه عن مفاوضات الهدنة، ولذا فإنّ الزيارة في جانب منها هي زيارة تعويض أو تعويم حضور واستفسار عن تبدل في الوقائع، فالمعنيون في الملف الرئاسي يؤكدون أنّ لا شيء جديداً ليتلقفه المبادر الفرنسي، وحاله كحال الموفد القطري، وإن كان الأخير يتفوّق عليه بطرح المزيد من الأسماء على سبيل الاختبار، وقد منيت كلها بالفشل.