كتب منير الربيع في “المدن”:
تسير الوقائع اللبنانية على الإيقاع الإقليمي. الهدنة في غزة تنعكس على الجنوب، والتصعيد سيقابله إعادة فتح الجبهة. لكن الرهانات تتكاثر على الضغط الدولي في عدم توفير الدعم المستمر لإسرائيل، في تنفيذ مخططها في قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين منه. تمديد الهدنة سيؤسس إلى تعزيز النقاش السياسي والبحث عن حلول عوضاً عن التصعيد العسكري. وهو ما يراهن عليه لبنان أيضاً لتجنب الإنزلاق الى حرب، وسط موجات من المعطيات والتفسيرات والتحذيرات، التي لا تزال تصل إلى بيروت حول ضرورة البحث عن تهدئة، كي لا يلجأ الإسرائيليون في لحظة جنون إلى القيام بشن ضربة عسكرية.
هو تهويل لا يُزان في ميزان حزب الله، الذي يبدو مرتاحاً. ويعتبر أن هناك مشكلة حقيقية داخل اسرائيل تمنعها من القيام بأي خطوة.
لودريان بلا عنوان
في هذا السياق، تأتي زيارة المبعوث الفرنسي، جان إيف لودريان، إلى لبنان، للقاء المسؤولين. لا عنوان واضحاً أو محدداً للزيارة بعد، بين إعطائها طابع الاستطلاع مجدداً، وهو فيه كثير من الاستخفاف بالنفس وباللبنانيين، وبين انتزاع باريس لصورة الحضور على الساحة اللبنانية واستمرار التأثير. هذا، بالإضافة إلى تمرير رسائل تحذيرية بضرورة عدم الانخراط في الصراع. ما يعني تكرار الرسائل التي نقلتها من قبل وزير الخارجية الفرنسية كاترين كولونا.
الدور القطري
تشي وقائع الحرب في غزة وما رافقها من أدوار إقليمية ودولية، بنقطتين أساسيتين الأولى استمرار التفاوض المباشر وغير المباشر بين الإيرانيين والأميركيين. والثانية الدور الأساسي التي تقوده دولة قطر. وهو يؤهلها للعب المزيد من الأدوار في المنطقة بالمرحلة المقبلة، سواءً كان ذلك يتصل بإيران أو بالولايات المتحدة أو بالقضية الفلسطينية وغيرها. وهذا ما يؤهل قطر إلى لعب دور أبرز وأوسع في لبنان، كما في غيره، بدءاً من السياسة والرئاسة وصولاً إلى ملف النفط والغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط.
في هذا السياق ستكون قطر هي صاحبة الدور البارز في المرحلة المقبلة، والمتقدمة على الجميع.
يكرس القطريون سياسة تتجاوز حدود الجغرافيا وحجم الدول، على قاعدة الدور الذي يمكنها أن تلعبه، والحيوية الذي تتمتع بها. ما يمنحها حركية سياسية سريعة. وهي بذلك ستكون متقدمة على الآخرين. وفيما كانت الدوحة تهتم بالملف الرئاسي اللبناني، فهي ستكون معنية بما هو أبعد من ذلك، إثر التطورات التي حصلت في قطاع غزة وعلى الحدود الجنوبية للبنان. لا سيما في ظل البحث الدولي والإقليمي عن سبل لوقف القتال وتخفيف التصعيد وتكريس التهدئة.
كل ذلك على وقع تجديد البحث الدولي في إعادة تفعيل القرار 1701 وتوفير الأمن والاستقرار في جنوب لبنان. هذا لن يكون ممكناً إلا بالسياسة، لأن الحرب لن تجلبه.
الـ1701
من ضمن الأفكار التي يتم البحث بها على الصعيدين الإقليمي والدولي، هو في كيفية استنساخ تجربة الترسيم البحري في البر. وهذا ما يركز عليه المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين. كذلك فإن دولة قطر ستكون معنية بشكل مباشر في التهدئة ومنع التصعيد. كل هذه الإشكالات يمكن أن تكون مطروحة ضمن سلّة واحدة شاملة، تتضمن إنجاز الانتخابات الرئاسية، ورئاسة الحكومة وتشكيلتها، وصولاً إلى التعيينات في المواقع الأساسية، وإرساء الاستقرار على الحدود الجنوبية.
أميركياً واسرائيلياً، يتم الحديث عن تطبيق القرار 1701، ويلوح الإسرائيليون باستخدام القوة في سبيل ذلك. لكن هذا الكلام يبدو غير واقعي بالنسبة إلى حزب الله، الذي يعتبر أن العمليات أثبتت عدم تطبيق القرار منذ العام 2006 إلى اليوم، والحزب بكل قوته موجود جنوبي نهر الليطاني، ولا أحد سيتمكن من إعادته إلى شمال النهر.
كل الكلام الإسرائيلي والأميركي في هذا الصدد هدفه اختراع شعار موجه للداخل الإسرائيلي ولسكان المستوطنات كي يقتنعوا بالعودة إلى منازلهم بعد الحرب. أما بالنسبة إلى الحزب، فإن كل هذا الكلام ليس من الوارد أن يكون واقعياً، لا سيما أن موازين القوى لن تسمح للإسرائيليين بتحقيق ما يريدونه. أما البحث عن السلة الكاملة، فلا بد من الوصول إلى اتفاق بشأنها مع الحزب وليس مع أحد غيره.