كتبت زينب حمود في “الأخبار”:
لم تأخذ اللجان النيابية المشتركة في جلستها، أمس، الكثير من الوقت لتقرّ مشروع قانون «إنشاء نظام التقاعد والحماية الاجتماعية»، متجاوزة تحفظات وزير العمل مصطفى بيرم والمدير العام للضمان الاجتماعي محمد كركي. فبشكل «ديكتاتوري»، حسم رئيس اللجان النيابية، النائب إلياس بوصعب، النقاش قائلاً: «لقد شبع مشروع القانون دراسة وأخذاً وردًاً، ومن لديه ملاحظات فليحتفظ بها إلى حين عرضه على الهيئة العامة لمجلس النواب».منذ أكثر من 19 عاماً، يدور مشروع قانون نظام التقاعد والحماية الاجتماعية الذي اشتهر بـ«نظام الشيخوخة» على طاولات مجلس النواب ولجان الخبراء وتدخلات قوى السلطة. لكن منذ بضع سنوات، أُنشئت له لجنة نيابية فرعية برئاسة النائب السابق نقولا نحاس، أخذت على عاتقها إقرار القانون نزولاً عند رغبات أصحاب العمل. الإشكالية الأساسية التي عمدت هذه اللجنة إلى تذليلها، تمحورت حول تخليص المشروع من عبء رفض حركة أمل بأن يكون صندوق التقاعد والحماية خارج الضمان الاجتماعي، وبالتالي لم يبق هناك أي مانع لإقراره، إذ تقول مصادر نيابية إن الرئيس نبيه برّي هدفه التمهيد لعقد جلسة تشريعية، وهذا يتطلب مشاريع قوانين تكون في هذه اللحظة مهمّة شعبياً، مثل قانون إقرار اعتمادات إضافية لوزارة الصحة بقيمة 4 آلاف مليار ليرة، وإقرار تعديلات على قانون الضمان لجهة تعزيز حقوق المرأة وأطفالها، ومشروع قانون التقاعد والحماية الاجتماعية.
هكذا خصصت جلسة مفاجئة وسريعة للجان النيابية لإقرار المشاريع الأربعة، وعلى رأسها نظام التقاعد والحماية الاجتماعية. الصيغة النهائية لهذا الأخير تضمّنت تسوية تواطأ فيها الجميع على حقوق العمال. هذه الصيغة أعدّ لها قبل شهرين حين طلب بوصعب، من النواب إرسال ملاحظاتهم خلال مهلة أسبوعين. وبحسب النائب فادي علامة «هناك حوالي ثمانية نواب ناقش معهم بوصعب في مكتبه الملاحظات الفنية الخطية التي أرسلوها لتحسين مشروع القانون، وهناك من لم يقرأ التعديلات ولم يعط ملاحظاته المكتوبة خلال الفترة المحددة فطلب وقتاً إضافياً عندما شاهد الصيغة النهائية في جلسة أمس».
في هذا الإطار، برز في جلسة أمس تياران؛ أحدهما اكتشف أن الصيغة الموزّعة والتعديلات المرافقة لها تحتاج إلى وقت أكثر لدراستها والتصويت عليها، مطالباً بمهلة إضافية للتمعّن فيها. ومن بين هؤلاء النائب عبد الرحمن البزري الذي قال لـ«الأخبار»: «طالما عدّلتم فيها بناءً على ملاحظاتنا، امنحونا وقتاً لقراءتها». الثاني، يرى أن مشروع القانون «شبع أخذاً وردّاً واقتراحات وملاحظات» وأصحاب هذا الرأي هم الغالبية التي يمثّلها بوصعب. هكذا حسمها رئيس اللجان وأقرّ مشروع القانون بمادّة وحيدة، طالباً ممّن لديهم ملاحظات عليه الاحتفاظ بها إلى حين عرضه على الهيئة العامة لمجلس النواب.
أُضيف إلى النص النهائي الذي أقرّ في اللجان المشتركة، ما يشير بوضوح إلى حجم التواطؤ على حقوق العمال من كل التكتلات النيابية. إذ ورد الآتي: «خلافاً لأيّ نصّ آخر، تلغى مبالغ التسوية عن الأجراء المنتقلين إلى النظام الجديد. أما الأجراء الذين يبقون خاضعين لنظام تعويض نهاية الخدمة، فلأصحاب العمل أن يطلبوا تقسيط هذه المبالغ لمدّة لا تتجاوز عشر سنوات، على أن تعفى أقساط السنوات الخمس الأولى من الفوائد». بمعنى أوضح، أُعفي أصحاب العمل من تسديد تسويات نهاية الخدمة للعمال، رغم أنها حقوق مكتسبة لهم منصوص عليها في قانون إنشاء الضمان. ولم يقتصر الأمر على ذلك، إذ جرى التلاعب بعدد السنوات للانتساب الإجباري للنظام الجديد، فضلاً عن رفع سن الانتساب الإلزامي من 44 سنة إلى 49 سنة لإجبار معظم الأجراء على الانتقال إلى النظام الجديد للتوفير على أصحاب العمل في التسويات المترتّبة على الذين يحقّ لهم البقاء خارج النظام.
جميل السيّد: بعد إفلاس الضمان حرّكوا مشروع قانون نائماً في الأدراج منذ 2004
اعترض النائب جميل السيد، مشيراً إلى أنه «عندما طُرح مشروع التقاعد والحماية الاجتماعية في 2004 كان الهدف تحديثَ الضمان وبناءَه على قاعدة مالية تبلغ قيمتها 8 مليارات دولار، لكن لم يتحرّك هذا المشروع إلا في 2019 عندما حصل الإفلاس ولم تعد قيمة موجودات فرع نهاية الخدمة تساوي أكثر من 300 مليون دولار». إذاً، مع بداية الإفلاس، لم يكن أمام قوى السلطة إلا أن تغطّي إفلاس الضمان، لذا لم يكن يجب إقرار القانون «قبل الكشف عن مصير أموال الصندوق الحالي». فقد تبيّن لهم أن «الضمان لم يعد بإمكانه تغطية التعويضات بسبب الإفلاس، وإذا كان قادراً على تسديدها بقيمها الحالية فلا معنى لها، لذا لجأوا إلى هذه التركيبة الجديدة للفصل بين قاعدة ضمان مهترئ وصندوق جديد أقرّ بظروف مختلفة جداً عمّا خطّط له في 2004».
تكتلات النواب ومواقفهم تشي بأن الأمر صحيح، إذ يقول النائب بلال عبد الله إن «جميع الكتل النيابية كانت ممثلة اليوم وموافقة بعدما جرى النقاش معها»، لذا لا يتوقع أن يكون هناك مشكلة لإمراره خلال عرضه على الهيئة العامة. ويشير علامة إلى أننا «سنطلب منحاً مالية من جهات دولية لانطلاقة النظام، ريثما يتمكن الصندوق من تمويل نفسه بنفسه».
انبثق عن اللجان النيابية المشتركة أمس لجنة فرعية لمناقشة اقتراح قانون «إنشاء نظام الرعاية الصحية الأولية الشاملة الإلزامية»، لإعداد المراسيم التطبيقية التي تضمن تطبيقه بعد إقراره، والبحث في مصادر تمويله وبروتوكولات العلاج التي سيجري العمل بها تحت إشراف وزارة الصحة. كما ستبحث اللجنة في تعريف الطبابة والخدمات الصحية التي يشملها النظام.
كان معروضاً على جلسة اللجان النيابية المشتركة التي عقدت أمس، مشروع قانون يرمي إلى تأمين مساهمة مالية لمصلحة وزارة الصحة. وزير الصحة قال إن هذه المساهمة بقيمة 4000 مليار ليرة هي لتمويل شراء أدوية، لكن عندما سأل بعض النواب عن أسباب المساهمة وما إذا كانت مدرجة في مشروع موازنة 2024، أجاب الوزير بأن الموازنة تتضمن هذه المبالغ، فاستغرب النواب طرح مشروع قانون سيناقَش ضمن مناقشات الموازنة.